في الذكرى ٧٧ لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي القيادة القومية:
• قضية فلسطين هي نبض العروبة وضمير الإنسانية
• إنجاز طوفان الأقصى بحاجة إلى حماية سياسية
• لوحدة وطنية فلسطينية على أرضية برنامج كفاحي
• احتلال العراق أدى إلى حرمان ثورة فلسطين من حضنها القومي الدافئ
• لإعادة الاعتبار للخطاب الوحدوي بتعبيراته الديموقراطية، ولمراجعة شاملة لمسيرة النضال العربي بإنجازاتها واخفاقاتها.
• الجبهة الشعبية العربية ضرورة ملحة لتشكيل المرجعية القومية الشعبية أكدت
القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي أن فلسطين كانت وستبقى قضية
العصر، وهي تشكل عاملاً كاشفاً لكل الأوضاع المحيطة بها فلسطينياً وعربياً
ودولياً، وإن إنجاز السابع عشر من أكتوبر بحاجة إلى حماية سياسية، ومدخله
وحدة وطنية فلسطينية، وتوفير حماية قومية وتفعيل التحول في الرأي العام
الدولي لمصلحة القضية الفلسطينية. كما أكدت على رفض
قيام دولة فلسطينية كنتيجة لتسوية تكرس اعترافاً بالعدو الصهيوني، وإنه من
حق المقاومة أن تقيم سلطتها الوطنية على الأرض المحررة كخطوة على طريق
التحرير الكامل. وأكدت أن احتلال العراق واسقاط نظامه
الوطني لم يؤدِ إلى انكشاف ساحته الوطنية وحسب وإنما انكشاف الأمة وحرمان
ثورة فلسطين من سندها وحاضنها الأساسي. كما شددت
القيادة القومية للحزب ابقاء الخطاب القومي الوحدوي والتحرري عالي النبرة
في مواجهة مشاريع الأعداء على اختلاف مشاربهم، ودعت إلى تشكيل الجبهة
الشعبية العربية من أجل تفعيل الحضور للمواجهة الشعبية مع أعداء الأمة. جاء ذلك في بيان للقيادة القومية، لمناسبة الذكرى السابعة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، فيما يلي نصه: يا جماهير أمتنا العربية يا أبناء شعبنا في فلسطين المقاومة على مساحة التراب الوطني أيها الرفاق المناضلون على امتداد الوطن العربي الكبير تحل
الذكرى السابعة والسبعون لتأسيس حزبنا العظيم، حزب البعث العربي
الاشتراكي، وجماهير الأمة العربية تنشد بأحاسيسها إلى ملحمة البطولة
والتضحية التي يسطرها ثوار فلسطين على أرض الرباط، في غزة هاشم والضفة
والقدس الشريف وكل مساحة الأرض المحتلة في مواجهة عدو عنصري، زُرِعَ في قلب
الوطن العربي، وهو منذ اُقِيمَ كيانه الغاصب ما برح يرتكب المجزرة تلو
الأخرى بحق جماهير شعبنا الفلسطيني في سعي حثيث لاقتلاع هذا الشعب من أرضه
ومحو هويته الوطنية وفرض التهويد والصهينة على كل معالم الحياة في فسطين،
أرض أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول العربي. وإذ
تحل هذه الذكرى هذا العام، وجماهير شعبنا تقاوم باللحم الحي حرب الإبادة
الجماعية التي يشنها العدو الصهيوني، فإن حلولها في شهر رمضان الكريم، لم
يفت من عضد المقاومين، ولم ينل من عزيمة الذين يستمدون قوتهم من إيمانهم
بحقهم في استرداد حقهم التاريخي المغتصب، بل إن هذا الحلول أعطى دفعاً
معنوياً وتعبوياً لسياقات المقاومة التي تتصدى بالإمكانات المتاحة وتتكئ
على جماهيرٍ صامدةٍ صابرةٍ تتشبث بأرضها رغم التضحيات الجسيمة التي
تقدمها من فلذات الأكباد والنساء والشيوخ والتي بلغت عشرات الألوف من
الشهداء والجرحى والتدمير الهائل لكل مرافق الحياة في انتهاك صارخ لقوانين
الحرب والمواثيق الدولية وأحكام القانون الدولي الإنساني. إن
القيادة القومية للحزب وباسم كل مناضليه على مساحة الوطن العربي الكبير،
توجه التحية لجماهير شعبنا في فلسطين المحتلة وللمقاومة البطلة ولكل من
انتصر للحق الوطني الفلسطيني ورفع الصوت عالياً: “لا للاحتلال” نعم “للحرية
لفلسطين “.يا جماهير أمتنا العربية المناضلة يا أبناء البعث وحملة الرسالة الخالدة إن
ميلاد البعث لسبع وسبعين حولاً، في يوم السابع من نيسان عام ١٩٤٧، لم يكن
يوماً عادياً في سياق التأريخ النضالي لمسيرة هذه الأمة التي حملت في
طياتها كل عوامل وعناصر الانبعاث المتجدد الذي أفصح عن نفسه في يومٍ، تفتحت
فيه شرايين الأرض العربية وسرى في عروقها دم العروبة، فكان ذلك إيذاناً
بانطلاق مسيرة النضال العربي في لحظةٍ، كانت فيها الأمة تعيش تحت وطأة
تحديات قومية واجتماعية، ناتجة عن وصول المشروع الصهيو – الاستعماري إلى
مراحل متقدمة في إجراءاته التنفيذية.وإذا كان ميلاد
البعث قد تزامن مع حصول النكبة الأولى، التي سجلت أكبر عملية “ترانسفير”
لشعب من أرضه تحت ضغط القتل والتنكيل والتدمير والتهجير، فإنه مع حلول هذه
الذكرى لهذا العام، يندفع التحالف الصهيو- استعماري، لتنفيذ نكبة ثانية
عبر حلقة متقدمة من استراتيجية المشروع الصهيوني الهادف إلى إخراج ما
تبقى من شعب فلسطين من أرضه ودفعه إلى عالم الشتات بغية محو هويته
الوطنية، ولهذا فإن رد الفعل الصهيوني على عملية “طوفان الأقصى”، لم تكن
رداً على ما استطاعت المقاومة تحقيقه في السابع من أكتوبر وحسب ، بل هي
حلقة من مخطط اقتلاع جماهير فلسطين من أرضها في استحضار لمشهدية نكبة
جديدة يراد لها أن تكون أقسى وأشد وطأة من النكبة الأولى. وإذ
ندخل إلى رحاب هذه المناسبة، مناسبة ذكرى ميلاد حزب الثورة العربية، حزب
الوحدة والحرية والاشتراكية من بوابة فلسطين، فلأن فلسطين هي نبض العروبة
وقضيتها المركزية وضمير الإنسانية الحي وبوصلة مصيرها التقدمي. وهي بهذا
المعنى تتجسد فيها كل معاني الرسالة الخالدة حيث أن تحرير فلسطين، لا يحرر
الأرض المغتصبة من الاحتلال الصهيوني ويعيد لشعب فلسطين حقه التاريخي بأرضه
ويمكنه من تقرير مصيره وحسب، وإنما يفتح الآفاق أمام الأمة العربية
للانتقال بأوضاعها من واقع التجزئة إلى واقع الوحدة ومن واقع التخلف إلى
واقع التقدم، ومن واقع التوريث والتأبيد السلطوي إلى رحاب الاجتماع السياسي
القومي الذي تحكمه قواعد ديموقراطية الحياة السياسية وتداول السلطة في ظل
نظام دولة الوحدة. كما إنه بالمقدار نفسه سيؤدي إلى تحرير الإنسانية من
موبقات نظام عنصري، بات النظام الوحيد في العالم الذي يمارس “الآبارتهايد”
والتطهير العرقي في انتهاك صارخ لكل المواثيق والأعراف والقوانين الدولية
التي أكدت على حق الشعوب في مقاومة الاتجاهات العنصرية التي تنتهكها كيانات
سياسية على حساب الحقوق الأصلية للشعوب.إن ما تواجهه
حركة المقاومة في فلسطين اليوم مع تجسيدات البطولة التي تسطرها في الصمود
والتضحية، ومن ورائها حركة الثورة العربية، يفوق في خطورته ما تعرضت له
ثورة فلسطين والأمة منذ وضع المشروع الصهيوني ركائزه في الأرض العربية،
وهذه الخطورة تكمن في أن مقاومة شعب فلسطين، ليست محاصرة من العدو بكل
الدعم الامبريالي الذي يقدم له، بل هي محاصرة أيضاً بواقع انقسام سياسي
فلسطيني لم ترتق أطرافه إلى مستوى تحقيق الوحدة الكفاحية الفعلية، كما هي
محاصرة بواقع عربي سيئ بات مثقلاً باتفاقيات التسوية ومسار التطبيع الذي
توسعت مروحته فضلاً عن دور قوى الإقليم التي تستثمر بالقضية الفلسطينية
لحساب أجنداتها الخاصة وهي التي تعبث بالأمن القومي العربي من خلال تغولها
وتخريبها للبنى المجتمعية العربية، وهو ما أدى إلى اضعاف عناصر المناعة
الوطنية، وارتفاع منسوب الخطاب الطائفي والمذهبي والجهوي والقبلي، على حساب
الخطاب الوطني العابر للطوائف والمذاهب والجهويات. إن
المخاطر الكامنة في تسيّد هذا المشهد السياسي الذي يخيم على العديد من
ساحات الأقطار العربية،لم يؤدِ إلى حرمان ثورة فلسطين من حضنها القومي
الدافئ فقط، بل أطلق العنان لمحتوى خطاب سياسي تدحرج نزولاً من منصة
الخطاب القومي والوطني في مرحلة ما قبل الزلزال الذي ضرب البنية القومية
انطلاقاً من فالق العراق، إلى خطاب يدعو إلى رسم الحدود السياسية بحدود
الطوائف والمذاهب والاثنيات والجهويات، وجل أسبابه بفعل العدوان المتعدد
الجنسيات على العراق وما تولد عنه من هزات ارتدادية ما زالت تداعياتها
القاتلة تضغط على الجسم العربي لمنعه من إعادة الاستنهاض والوقوف مجدداً في
مواجهة مشروع السيطرة على الوطن العربي ومقدراته، عبر إنتاج نظام إقليمي
جديد تتولى أميركا قيادته الاستراتيجية ويتكئ على مرتكزات في الإقليم وهي
التي تشكل بوجودها ودورها ورافعاتها الدولية الاستعمارية تهديداً للوطن
العربي من داخله ومداخله. إننا ننطلق من فلسطين
لمقاربة الواقع القومي، فلأن قضية فلسطين وكما وصفها القائد المؤسس هي قضية
الأمة العربية، وقضية نهضتها بجوهرها الحضاري وبعدها الإنساني، وإذا كانت
قد سميت بقضية العصر، فلأنها تشكل اختصاراً مكثفاً لقضايا الأمة في مواجهة
أعدائها المتعددي المشارب والمواقع، كما تشكل امتحاناً للضمير العالمي
ولأسس الحضارة العالمية وأخلاقيتها، وبهذا المعنى هي كاشفة للواقع العربي
المحيط بها، رسمياً كان أو شعبياً، كما هي كاشفة للأوضاع الدولية ولتصرفات
الدول الكبرى التي تتحدث عن الديموقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها،
وتعتمد ازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بها وبقضايا الأمة العربية،
وتتصرف كالعصابات لحرمان شعب فلسطين من حقوقه الوطنية ومن حقه في تقريره
مصيره على أرضه. إن ثورة فلسطين المتواصلة عبر تعاقب
الحقب الزمنية منذ انطلقت متصديةً للمشروع الصهيوني الاستيطاني، برهنت على
قدرة فائقة وغير عادية في الصمود، وهو ما أبقى القضية الفلسطينية قضية حية،
رغم الظروف والأوضاع العربية السلبية السائدة، وهذا ما تجلى بعد انطلاق
عملية “طوفان الأقصى”، التي أعادت القضية إلى مدارها الإنساني العالمي
ومعها تحولت إلى قضية رأي عام دولي، لم يعد بالإمكان القفز فوق معطياته
بعدما سلطت الأضواء على عنصرية الكيان الصهيوني، وطرحت ولأول مرة في تاريخ
الصراع العربي الصهيوني، مساءلة وإدانة هذا الكيان لارتكابه جرائم حرب
وجرائم إبادة جماعية وهو الذي يفترض أن يشق طريقه لإعادة تصنيف الحركة
الصهيونية كحركة عنصرية، سبق وصنفت كذلك في منتصف السبعينيات قبل أن تعود
الأمم المتحدة وتسقط هذا التصنيف بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والعدوان
الثلاثيني على العراق الذي أعقبه حصار ظالم لم تشهد البشرية مثيلاً له.
ولما لم يستطع أن يحقق أهدافه في تدمير بنية العراق الوطنية واسقاط نظامه
الوطني، قامت أميركا ومن التحق بها من قوى دولية وإقليمية ونظم رسمية عربية
بشن عدوان جديد في التاسع عشر من آذار سنة ٢٠٠٣ تحت ذريعة امتلاك العراق
لأسلحة دمار شامل وعلاقات مزعومة مع القاعدة، وهو ما أدى إلى وقوعه تحت
الاحتلال. إن غزو العراق واحتلاله قبل واحد وعشرين
سنة، لم يؤد إلى تدمير دولته وتفكيك مؤسساته واسقاط نظامه الوطني وتفسخ
نسيجه الاجتماعي وتطييف حياته السياسية وحسب، بل مكّن النظام الإيراني من
التغول في كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية
وممارسة دور المحتل من الباطن بعد انسحاب قوات الاحتلال الأميركي بفعل
المقاومة الوطنية التي أطلقها الحزب وقاد مسيرتها. إن
القيادة القومية للحزب، التي تعتبر أن فلسطين لم تكن مستهدفة لذاتها فقط،
تعتبر أن استهداف العراق جاء في السياق ذاته لاستهدافها، وإن احتلاله بقدر
ما أدى إلى انكشاف ساحته الوطنية، فإنه أدى إلى انكشاف الأمة أمام مشاريع
القوى المعادية التي تستهدف الأمن القومي العربي. فلو لم يسقط العراق، لما
استطاع العدو الصهيوني من اختراق العمق القومي من خلال اتفاقيات التطبيع،
ولو لم يسقط العراق لما استطاع نظام الملالي التبجح بأنه بات يسيطر على
أربعة عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ولو لم يسقط العراق، لما
وجدت فلسطين نفسها مكشوفة من أي غطاء قومي في صراع الوجود الذي تخوضه
ثورتها ضد العدو الغاصب وخاصة معركتها الحالية التي أطلقت شرارتها عملية
“طوفان الأقصى”. إن البعث الذي يعتبر أن قضية العراق،
قضية ترتقي حد القضايا المركزية للأمة، يرى أن تحريره من ربق الاحتلال
(الأميركي – الإيراني) المركب ومن الإفرازات السياسية لهذا الاحتلال، لا
يشكل انتصاراً لقضيته الوطنية بماهي قضية تحرير وتوحيد وحماية هوية قومية
وحسب، بل استعادة لدوره كحامٍ للبوابة الشرقية للوطن العربي من الاختراقات
المعادية، ورافعة للنضال العربي التحرري وخاصة قضية فلسطين. وهذا ما يملي
على قوى حركة التحرر العربية أن تنتصر لنضال شعب العراق في مقاومته ضد ما
تعرض له ولما يزل من احتلال. وعلى كل من يعتبر أن
الأمن القومي العربي هو وحدة عضوية، عليه أن يدرك أن الاختراق المعادي
للأمن القومي انطلاقاً من ساحة العراق، لا يقل خطورة عن الاختراق المعادي
انطلاقاً من ساحة فلسطين. وأن مقاومة هذا الاختراق بكل وسائل المقاومة
الشعبية المتاحة، هي مسؤولية قومية بقدر ماهي مسؤولية وطنية. وهذا المبدأ
فرض مشروعيته على أرض الواقع بحيث استطاعت المقاومة الشعبية على أرض
فلسطين، أن تحقق ما لم تستطع الجيوش النظامية تحقيقه، وإليها يعود الفضل في
ابقاء جذوة المقاومة مشتعلة رغم الظروف الصعبة والتعقيدات التي تحيط بواقع
المقاومة الفلسطينية في دوائر الفعل الوطني الفلسطيني والعربي والدولي،
كما استطاعته المقاومة على أرض العراق وقبلها الثورة الشعبية في الجزائر. إن
هذا الواقع المقاوم هو ما يفترض أن يبنى ويؤسس عليه للارتقاء بفاعليات
المقاومة إلى المستوى الذي يفرضها رقماً صعباً في تحديد مسارات الصراع
لحماية الهوية الوطنية وتمكينها من الإمساك بالأرض المحررة على طريق
التحرير الشامل لكل أرض فلسطين التاريخية. وإننا عندما
نؤكد على الطبيعة الشعبية لثورة فلسطين، فلقناعة عميقة لدينا، بأن تعديل
موازين القوى لمصلحة الأمة وثورتها على أرض فلسطين، لا يستقيم إلا إذا أخذت
الجماهير دورها على مستوى الكل القومي العربي كما على مستوى الحيز الوطني،
وبما يمكنها من الإمساك بناصية قرارها على مستوى صياغة البناء السياسي
الداخلي وعلى مستوى الانخراط بكل امكاناتها في معارك التحرير القومي، وعلى
قاعدة أن صراع الأمة مع أعدائها القوميين من الخارج ، ومعيقي تقدمها
وديموقراطية الحياة السياسية فيها ووحدتها من الداخل، إنما تحكمه العلاقة
الجدلية فيما بينهما، بحيث أن كل إنجاز إيجابي يتحقق على أحد هذه المسارات
إنما ينعكس إيجاباً على المسارات الأخرى. وعليه،
فإننا في ذكرى ميلاد البعث الذي نستحضرها بكل أبعادها ودلالاتها النضالية،
نعيد التأكيد بأن ما تتعرض له الأمة من موجات عدائية، سواء ما تغلف منها
بأطر سياسية على شاكلة الأحلاف الاستعمارية المتعددة النماذج، أو من
استبطن محتوىً فكرياً معادياً للعروبة بكل ارثها وموروثها الحضاري،
فعندئذٍ لا فرق بين هؤلاء، لأن من يقفز فوق الواقع القومي في انكار واضح
لحقيقة الثابت التاريخي الذي تجسده الهوية القومية ، وبين من ينزل تحت ما
هو قائم من واقع وطني، لأنهم يلتقون عند نقطة تقاطع واحدة، هي أن وجودهم لا
يستقيم إلا بنفي الحقيقة القومية للأمة، وهو الهدف الذي عمل ويعمل عليه من
يناصب الأمة العداء ويرى في وحدتها خطراً على مصالحه. وهذا ما جعل الأمة
معنية بخوض غمار مواجهات على أكثر من جبهة. إنها معنية
بمواجهة المشروع الصهيو – استعماري بكل تعبيراته واستهدافاته وتحالفاته،
ومعنية بمواجهة مشروع نظام “ولاية الفقيه” الذي يستبطن عداءً شعوبياً
دفيناً ضد العروبة، ومشروع “نظام الحاكمية الذي ينشد إلى أحلامه
الامبراطورية، ومعنية بمواجهة المنظومات الحاكمة التي استمرأت الحكم في ظل
واقع التجزئة التي تشرع التأبيد السلطوي على حساب ديمقراطية الحياة
السياسية وتداول السلطة، وتهرب من استحقاقات التغيير بوسائط التعبير السلمي
والديموقراطي عبر لجوئها إلى القمع ومصادرة الحريات، والاستقواء بأعداء
الأمة عبر اتفاقيات تسوية وتطبيع مع العدو الصهيوني والدخول في علاقات
إلتحاقية مع من يعمل لتغيير التركيب الديموغرافي وصولاً إلى تغيير في
الهويات الوطنية والهوية القومية للأمة العربية. يا جماهير أمتنا العربية أيها المقاومون على أرض فلسطين الحبيبة إن
الإنجاز القومي العظيم الذي تحقق في السابع من أكتوبر وبكل التحولات التي
أحدثها على الصعد الوطنية الفلسطينية والقومية والإنسانية، إنما هو بحاجة
إلى حماية كي لا تجهض نتائجه في سوق المساومات السياسية والاستثمار بالقضية
القضية الفلسطينية خدمة لأجندات خاصة وعلى حساب الحق الوطني لشعب فلسطين
وخاصة حقه في تقرير المصير. وإذا كنا نشدد على أهمية
توحيد المرجعية السياسية والنضالية للثورة الفلسطينية في إطار منظمة
التحرير وتطوير مؤسساتها، وتقديم نفسها كحركة تحرر وطني، وإلا وقعت في
محظور استمرار الانشطار السياسي بكل انعكاساته السلبية على مسيرة النضال
الوطني الفلسطيني، فلأننا نرى بأن حماية هذا الإنجاز هو مسؤولية قومية بقدر
ما هو مسؤولية وطنية فلسطينية.إن هذه الحماية، تتطلب فضلاً عن وحدة وطنية كفاحية:أولاً: اسقاط اتفاقيات التسوية مع العدو الصهيوني وكل ما ترتب عليها من نتائج.ثانياً: وقف مسارات التطبيع وإزالة كل النتائج التي ترتبت على ذلك. ثالثاً:
اسقاط كل النتائج والافرازات التي ترتبت على احتلال العراق وتدمير سوريا
وتخريب اليمن وتفكيك ليبيا وعملية الردة على التحول الوطني الديموقراطي في
السودان.رابعاً: إعادة الاعتبار لدور الجماهير وإطلاق حراكها على قواعد الترابط بين التغيير والتحرير والوحدة والديموقراطية.
وإذا كان الحراك الشعبي تعرض للاختراق المعادي والانقضاض عليه لمنعه من
تحقيق أهدافه في أكثر من ساحة، فلأن المعادين للتغيير أثبتوا أن عداءهم
للديموقراطية لا يقل عن عدائهم للوحدة والتقدم. وهذا ما يملي علينا نحن
كحزب طليعي وكل القوى الحية والتحررية في هذه الأمة العمل لتجذير الوعي
السياسي الشعبي على أهمية الربط بين أهداف التحرير والتغيير، والعودة
دائماً للجماهير التي كانت وستبقى هي العامل الحاسم في تعديل موازين القوى
لمصلحة قوى الثورة العربية وفي طليعتها الثورة الفلسطينية. إننا
في هذه المناسبة، مناسبة الذكرى السابعة والسبعين لتأسيس حزب البعث العربي
الاشتراكي، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية حزب فلسطين وحق شعبها باسترداد
حقوقه الوطنية المستلبة، وفي ظل الأجواء التي تحيط بواقع القضية
الفلسطينية وقضايا الأمة العربية لابد من تأكيد الثوابت التي تبقى تشكل
الضوابط لحركة النضال العربي في مواجهة ما يتهدد الأمة من أخطار مصيرية على
وجودها وهويتها ودورها الحضاري والإنساني. وعناوين هذه الثوابت هي: أولاً:
وجوب أن يبقى الخطاب القومي الداعي إلى الوحدة والتحرير والتقدم
والديموقراطية دائم الحضور في مسيرة النضال العربي وفي الموقع الهجومي في
مواجهة المشاريع السياسية التي تهدد البنية القومية والمجتمعية العربية. ثانياً:
أمام اندفاعة المشاريع المعادية للنزول بالواقع القومي العربي تحت ما هو
قائم حالياً، فإن حماية الدولة الوطنية المستهدفة بوحدة الأرض والشعب
والمؤسسات، هي من الأهداف الأساسية المرحلية التي تملي على الجماهير أن
تناضل من أجلها للحؤول دون تمكين مشاريع التفتيت من إقامة مرتكزات لها في
البنية القومية. ثالثاً: إن حق الأمة العربية في
فلسطين، هو حق تاريخي، غير قابل للتقادم والسقوط والمساومة، وعليه فإننا
نرفض دولة فلسطينية تنتج عن تسوية تنطوي على اعتراف بالكيان الصهيوني ولو
كان على جزء من أرض فلسطين. رابعاً: إن استمرار
المقاومة وتوفير كل وسائل الدعم والاسناد والاحتضان لها، هو الطريق الوحيد
لتحرير الأرض، لأن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة كونها الوسيلة
الوحيدة التي تفرض على العدو الانسحاب دون شروط ودون مقابل، وعندئذ يمكن
للمقاومة أن تقيم سلطتها الوطنية على الأرض المحررة كخطوة على طريق التحرير
الكامل. وإن الوحدة الوطنية الفلسطينية على أرضية مشروع مقاوم هي من
ضرورات النضال الوطني الفلسطيني بقدر ما هي من أولوياته. خامساً:
إن المراجعة الشاملة لمسيرة النضال العربي، مطلوبة دائماً لتقييم معطياتها
بإنجازاتها واخفاقاتها، لتجاوز ما انتابها من سلبيات والبناء على الإيجابي
منها للارتقاء بصيغ النضال الشعبي العربي إلى المستوى الذي يجعل الحركة
الشعبية العربية، حركة وازنة وفاعلة في مسار حركة التغيير وخوض معارك
التحرير. سادساً: إن حجم قوى الاصطفاف المعادي للأمة
من صهاينة وإمبرياليين وقوى شعوبية، تملي على قوى حركة التحرر العربي،
الارتقاء بعلاقاتها السياسية إلى مستوى الجبهة الشعبية العربية العريضة
لتأمين المرجعية القومية التي تأخذ على عاتقها قيادة الجماهير العربية في
مواجهة أعداء نهضة الأمة ووحدتها. يا جماهير أمتنا العربية أيها الرفاق في حزب الرسالة الخالدة في
هذه المناسبة المجيدة، التي نستحضرها بكل دلالاتها النضالية، نوجه التحية
لكل من انتصر لقضية فلسطين وقضايا العروبة، ونخص بالتحية والشكر دولة جنوب
افريقيا التي بادرت إلى مقاضاة العدو ومساءلته أمام محكمة العدل الدولية
وكل من انضم إليها في هذه الدعوى، كما الذين تقدموا بمراجعات ضد “اسرائيل”،
أمام المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما التحية موصولة إلى الذين ناصروا قضية فلسطين على مستوى الرأي العام
الدولي والذين ما زالت تغص بهم ميادين عواصم العالم مطالبين بحق تقرير
المصير لشعب فلسطين. تحية لشعب فلسطين الصامد الصابر الذي يرتقي في صموده حد الاستشهاد. التحية
لشهيد الحج الأكبر الرفيق القائد صدام حسين وكل رفاقه في قيادة الحزب،
وإلى مقاومة شعب العراق البطل وثورته الشبابية ولشهداء البعث والأمة على
مساحة الوطن العربي الكبير. التحية لروح الرفيق القائد
المؤسس الأستاذ أحمد ميشيل عفلق وكل الرفاق الذين كان لهم شرف السبق في
الإعلان عن ميلاد حزب الثورة العربية، حزب الوحدة والحرية والاشتراكية. وإلى مزيد من العطاء والنضال من أجل تحرير فلسطين والأحواز وإزالة القواعد الأجنبية من الأرض العربية. وإلى
مزيد من النضال الجماهيري من أجل تحرير العراق من الاحتلال (الأميركي
-الإيراني) المركب واسقاط العملية السياسية التي أفرزها هذا الاحتلال، كي
يعود العراق حراً عربياً موحداً وقاعدة للنضال القومي وحارساً للبوابة
الشرقية للوطن العربي في مواجهة المشروع الفارسي العنصري. وإلى
مزيد من النضال لاستعادة مصر العروبة إلى موقعها المتقدم في مسيرة النضال
العربي وتحرريها من قيود اتفاقيات “كامب دافيد”، ومن أجل استعادة سوريا
لموقعها الطبيعي كقلب للعروبة النابض، بعدما شوهت صورتها القومية الناصعة،
قوى الردة والشعوبية من داخلها وخارجها.وإلى مزيد من
النضال من أجل انتصار المشروع الوطني في اليمن والسودان وليبيا وتعزيز قيم
الديموقراطية في الأردن والبحرين وسائر أقطار الخليج العربي والمغرب العربي
وإعادة الاعتبار للدولة في لبنان وتطبيق أحكام العدالة الانتقالية بحق
منظومة الفساد بكل أطرافها. وإلى مزيد من النضال من
أجل اسقاط نهج التطبيع، ومقاومة كل الاتجاهات التي تروج لنهج الاستسلام
والارتهان للقوى الدولية والإقليمية التي تمعن تدميراً بالبنية القومية
وتمارس سياسة النهب لثروات الأمة ومقدراتها. عاشت فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر.عاشت الأمة العربية ورسالتها الخالدة. عاش البعث العظيم، وعاشت أهدافه الثورية في الوحدة والحرية والاشتراكية. القيادة القومية.السابع من نيسان ٢٠٢٤