خطاب الرئيس العراقي صدام حسين
الذي أعلن فيه الانسحاب من الكويت
في 26 فبراير 1991

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الشعب العظيم.
أيها النشامى في قوات الجهاد والإيمان، رجال أم المعارك الأماجد.
أيها الغيارى المؤمنون الصادقون، في أمتنا المجيدة، وعموم المسلمين، وكل الخيرين في العالم.
أيتها الماجدات العراقيات في ظروف ولحظات كهذه، يصل الحديث عن كل الذي ينبغي الحديث عنه، واستحضار القول بكل ما ينبغي التذكير به. وعلى الرغم من هذا، لا بد أن نذكر بما يجب
التذكير به، وأن نقول جانباً أساسياً لما ينبغي القول به. ونبدأ بالقول،
إنه في هذا اليوم، ستكمل قواتنا المسلحة الباسلة الانسحاب من الكويت. وبهذا
اليوم، ستكون مقاتلتنا للعدوان ولصف الكفر لحلف بغيض، مؤلف من ثلاثين
دولة، دخلت الحرب ضدنا، بصورة رسمية، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية،
يكون قتالنا لهم قد امتد عبر زمن في الشهر الأول من هذه السنة الميلادية،
ابتداءً من ليلة 17/16، وإلى هذا الزمن من الشهر الجاري، الثاني من هذه
السنة. فعبر شهرين من زمن المنازلة الأسطورية، التي جاءت برهاناً ساطعاً
على عبرة، أرادها الله لتكون مدخل إيمان وحصانة واقتدار للمؤمنين، ومدخل
هاوية وبطش وذلة، أرادها الله – سبحانه – للكفرة والمجرمين والخونة
والفاسدين والمنحرفين.
يضاف إلى هذا الزمن، زمن المنازلة العسكرية، وغيرالعسكرية، بما في ذلك الحصار
العسكري والاقتصادي، الذي فُرض على العراق، والذي امتد عبر عام 1990، حتى
هذا اليوم، وإلى أن يشاء الله رب العالمين. وقبل هذا، كانت المنازلة قد
امتدت لزمن ولسنوات، سبقت هذا الزمن بوسائل أخرى. وكان صراع ملحمي بين الحق
والباطل، وهو ما تحدثنا عنه في مناسبات سابقة بصور
التي استذكرنا في يوم النداء، يوم أن تقرر أن تكون بوابتها إحدى البوابات
الرئيسية لردع المؤامرة، والدفاع في وجه المتآمرين على العراق ككل. نقول
حتى الكويت، التي استذكرنا منها في يوم النداء الأغر … وما بعده، وثائق
وأحداث، عمر بعضها أكثر من سبعين سنة، سيتذكر العراقيون ولن ينسوا أنها في
8/8/ 1990 ميلادي، أصبحت جزءاً من العراق، قانونياً ودستورياً وفعلياً.
وامتد حالها على هذه الحال، طيلة الزمن الممتد من 8/8/ 1990، وحتى الليلة
الماضية، حيث بدأ الانسحاب، وهذا اليوم حيث نكمل انسحاب قواتنا – إن شاء
الله. اليوم الذي جعلت ظروف خاصة جيش العراق ينسحب، جراء الملابسات مما
ذكرنا، ومنها عدوان ثلاثين دولة مجتمعة، وحصارها البغيض، تتقدمهم في الشر
والعدوان الآلة والكيان المجرم في أمريكا وحلفاؤها الكبار.وقد
أخذ هذا الصف الخبيث عمقاً وفاعلية عدوانية، ليس من نواياه العدوانية ضد
العراق والأمة العربية والإسلام فحسب؛ وإنما من موقف الذين انخدعوا بدعوة
الشرعية الدولية أيضاً. وسيذكر الجميع أن أبواب القسطنطينية، لم تنفتح أمام
المسلمين في أول محاولة جهادية، وأن فلسطين العزيزة، التي ركن المجتمع
الدولي حريتها واستقلالها في زوايا النسيان، ومهما حاول المحاولون
المشبوهون، فإنها بفعل تضحيات وجهاد الفلسطينيين والعراقيين، عادت لتطرق
الأبواب الموصدة على الباطل … عادت فلسطين لتطرق هذه الأبواب لتجبر
المتجبرين والخونة على حل يضعها في مقدمة القضايا التي لا بد لها من حل،
يعز أهلها، ويضع الحال أمام فرص لتطور أفضل.وأصبحت
قضية الفقر والغنى، والإنصاف والإجحاف، والإيمان والكفر، والخيانة
والإخلاص والأمانة، عناوين مقترنة في أحداث قريبة وأشخاص معلومين واتجاهات
معروفة، ترجح كل ما هو إيجابي على ما هو سلبي، وكل ما هو مخلص على الغادر
والمدنس، وكل ما هو طاهر وشريف على كل ما هو فاسد رذيل منحط، وأصبحت ثقة
الوطنيين والمؤمنين المجاهدين والمسلمين، أكبر من السابق بكثير، وأصبح
الأمل يقترب أكثر فأكثر.لقد
قامت الشعارات من مخازنها، لتحتل وتتصدر واجهات النضال والجهاد القومي
والإنساني، بقوة. ولذلك، فإن النصر كبير الآن، وفي المستقبل – إن شاء الله.اهتفوا
للنصر، أيها الإخوة. اهتفوا لنصركم ونصر كل الشرفاء، أيها العراقيون. لقد
قاتلتم ثلاثين دولة، وما يحيط بهم من شر، وأقوى آلة الحرب والدمار في
العالم على الإطلاق.


الإيمان والمواقف، وقياسات الوطنية والقومية والإنسانية، وقياسات الجهاد والإيمان
والإسلام والخوف أو عدم الخوف والقلق أو السكينة والرجولة ونقيضها والنضال
والجهاد والتضحية والاستعداد للخير وما هو أقوى.وعندما
تثبت قياسات جديدة ويرفض المألوف … الخائب الخائن المتسلط الفاسد، فإن
فرصة نبت التربة الطاهرة تزداد اتساعاً، وجذور هذا النبات تزداد عمقاً
وثباتاً في باطن الأرض الطيبة، وفي مقدمتها أرض العرب، مهبط الوحي
والرسالات، وأرض الأنبياء والرسل. قال تعالى: كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلهـا كل حين بإذن ربهاصدق
الله العظيم. وعند ذلك، سيغدو كل شيء ممكناً على طريق الخير والسعادة،
التي لا تدنسها أقدام الغزاة، ولا إرادتهم الشريرة، أو فساد الفاسدين ممن
فسدوا وأفسدوا في أرض العرب، وستندحر قوى التآمر والغدر إلى غير رجعة.
وسيصبح الخيرون، والمتميزون بالإيمان والمواقف الجهادية المؤمنة الشريفة،
هم القادة الفعليون لجمع الإيمان في كل مكان على الأرض، وسينهزم جمع الفساد
والضلال والنفاق والخبث، وينزوي في أحقر مصير. وسيرث الأرض – بإذن من الله
– عباد الله الصالحون. إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين صدق الله العظيم
وعند ذلك، لا تصبح الأهداف الغربية متاحة ومتحققة أو ممكنة التحقق فحسب؛ وإنما
تنفتح الأبواب من غير عائق، يمنع تحقق كل الأهداف، الأبعد والأكبر والأكثر
شمولاً، أمام العرب والمسلمين وأمام الإنسانية جمعاء. وعند ذلك، يظهر بوضوح
بأن الحصاد لا يسبق البذار، وأن البيدر ومحصوله هو نتيجة لبذار ناجح وحصاد
ناجح. وقد نجح البذار في أم المعارك، وبعد أن حصدنا ما حصدنا، سيكون
الحصاد الأكبر ومحصوله ضمن الزمن اللاحق، وهو أكثر بكثير من زمننا الحالي،
على ما في زمننا الحالي من نصر وعز ومجد، ارتكز على تضحيات إيمان عميق سخي،
بلا تردد أو خوف، أعزّ الله فيه المجاهدين العراقيين وكل عمق هذا الخط
الجهادي، على صعيد الوطن العربي وعلى مستوى الناس جميعاً، ممن كتب الله لهم
شرف الانتماء والهداية والموقف السليم وإلى أن يأذن الله بتوقف الصراع، أو
يعدل في اتجاهاته ومنحاه والمواقف بما يسر المؤمنين ويزيدهم عزاً.
أيها العراقيون النشامى.
وأيتها العراقيات الماجدات.حتى
الكويت، التي هي جزء من بلدكم، واقتطعت منه في السابق، وشاءت الظروف،
اليوم، لتبقى على الحال الذي ستكون عليه بعد انسحاب قواتنا المجاهدة منها،
والذي أساءكم أن يحصل هذا. حتى
     


تفصيلية. وشكّل الأمر الذي شكّله لزمن المنازلة لعام 1990، وهذا الزمن الذي مضى من عام 1991.ولهذا،
فإننا لا ننسى، ولن ننسى تلك الروح الجهادية العظيمة، التي اقتحم فيها
رجال مؤمنون، بإيمان عظيم، حصون وقلاع الغدر والخيانة القارونية، في يوم
النداء الأغر، وعملوا ما عملوا على طرق الردع المشروع والعمل المبدئي
العظيم.إن كلهذا الذي مرّ علينا، ومررنا عليه، أو قررناه ضمن ظروفه، طائعين لإرادة
الله، مختارين الموقف الإيماني والشمم، هو سجل شرف لن تغيب معانيه عن الشعب
والأمة وقيم الإسلام والإنسانية. وستبقى أيامه الماجدة وتأثيراته، الماضية
والقادمة، تحكي قصة شعب مؤمن غيور صابر، آمن بما أراده الله وما ارتضاه –
سبحانه – من قيم ومواقف لأمة العرب في دورهم القيادي، ولأمة الإسلام في أسس
إيمانها الصحيح، وما يجب أن تكون عليه. وسوف تبقى هذه القيم، التي فعلت
فعلها بكل هذه المواقف، وقدمت ما قدمت من تضحيات جهادية، وشكّلت عمق
الشخصية المؤمنة في العراق. وستبقى تفعل فعلها في النفوس، وتعطي حصادها،
ليس في الأهداف المباشرة مما تصدرت شعارات مرحلتها، ليس فقط في الصراع بين
الفقراء المظلومين، وبين الأغنياء الظالمين المستغلين، أو بين الإيمان
والكفر، أو بين الظلم والغدر والخيانة وبين الإنصاف والعدل والأمانة
والإخلاص فحسب، وإنما في الأهداف غير المباشرة أيضاً، مما يهز الصفوف
المضادة، ويحدث ما يحدث فيها من انهيارات، بعد أن بان كل شيء. وكذلك يزيد
المؤمنون إيماناً، بعد أن انفتحت الأعين والعقول، وهفت القلوب إلى الذي
ينبغي أو يجب أن تهفو وتنتمي إليه، من مبادئ وقيم ومواقف.وقد

كان للمرحلة، التي سبقت يوم النداء الأغر، في الثاني من آب عام 1990،
قياساتها، ومن ذلك التعامل مع المألوف والموروث في زمنه الرديء، إن كان على
مستوى العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو بين القائد والشعب الذي يقوده.
وكانت العلاقة بين هذا أو ذاك من الأجانب في صف الكفر والظلم، وبين دول
المنطقة والعالم، قياساتها وآثارها وامتيازاتها، مما أوجدته ظروف الوطن
العربي، وسهلت للكثير من مسالكه الدعائية، التي ما كان لأحد أن يكشف زيفها،
مثلما تم كشفها الآن. وزاد الطين بلة ذلك الفراغ الذي أحدثه ضعف أحد
القطبين اللذين كانا يمثلان الصفين – المتعارضين في العالم، على مستوى ذروة
الصراع.
أمّا بعد الثاني من آب 1990، فقد حلت مفاهيم جديدة وقياسات جديدة، تسبقها نظرة
جديدة في كل ميادين الحياة، وعلاقات الناس بالناس، وعلاقات الدول بالدول،