الرفيقات العزيزات .. ايها الرفاق انه لسرور كبير ان نلتقي
بكم اليوم في مدرسة الاعداد الحزبي . ولقد اتفقنا مع الرفيق ( مدير المدرسة
) على أن لا يجري اللقاء بصيغة المحاضرة بل سيترك الباب مفتوحا لكم جميعا ،
لكي تسألوا في مختلف القضايا التي تجدون ان الاستفسار والسؤال عنها ضروري
وملح ، سواء في القضايا السياسية ، او التنظيمية او الفكرية ، وبودنا ان لا
تكون الاسئلة ذات طابع اكاديمي ، حتى بمقاييس مدرسة الاعداد الحزبي .أي أن يسأل المناضل منكم
أي سؤال يشعر بأنه ضروري بدون تحرج ، سواء تعلق الأمر بالحياة الداخلية
للحزب ، في قيادته وكوادره ، أو تعلق بشئون فكرية ، مطلوب الاستفسار حولها .
وأفضل أن تكون أسئلتكم مباشرة ، وغير مكتوبة ….نريدكم أيها الرفاق ،
وأنتم تقودون السلطة أن تستعينوا بتقاليد الحزب ، كيما تكون عرفا ثابتا في
عملكم اليومي ، وتكون هي تقاليد الدولة المتطورة حسب الحاجة العملية
لاستخداماتها ، لا تحاولوا استعارة تقاليد الدولة ، لتجعلوا منها بديلا
لتقاليد الحزب رغم أن الدولة وسلطتها الان هي سلطة الحزب المعبر عنها
بالدور القيادي للحزب ، ولكي يبقى ثمه فرق جوهري واساسي بين تقاليد الحزب
وتقاليد الدولة يجب ان يحافظ على تقاليد الحزب تماما في الشكل والجوهر ،
لان ثمة فرقا نوعيا كبيرا بين الدولة وبنائها السياسي والتنظيمي ، وبين
الحزب وبنائه السياسي والتنظيمي ، رغم ان الدولة هي دولة الحزب ، واذا ما
انعدم الفرق بين تقاليد السلطة وتقاليد الحزب ، فعندها سيغدو الحزب حزب
السلطة بدلا من ان تبقى السلطة سلطة حزب ، وستنتهي خصوصيتنا كمناضلين
مؤثرين في واقع المجتمع ، بقصد التغير نوعيا الى امام ، او انها تضعف الى
حد كبير ، فيتحول الحزب الى جهاز تقليدي من اجهزة الدولة ، فلا تعود الدولة
كيانا يحركه ويقوده ضمير وعقل الحزب دائما ، للتطور الى امام.ففي اسئلتكم يجب ان لا
تنسحب عليكم بعض التقاليد المتخلفة لاجهزة الدولة ، في التحرج من السؤال عن
حياة الحزب الداخلية ، وعن سياسة الحزب والدولة ، او عن المبادئ في طور
التطبيق ، أو افتراق التطبيق عن المبادئ ، فيما اذا وجدتم مثل هذا الافتراق
… على هذا الاساس سنفتح الباب لاسئلة الرفاق جميعا.جاء سؤال احد الرفاق ، انه
يحصل احيانا تعارض بين المواقف التكتيكية التي تتخذها اجهزة الدولة
المختصة او الحزب ، وبين الخط الاستراتيجي للحزب ، فكيف تضبط الموازنة بين
ضرورات التكتيك المرتبطة بالمستلزمات العملية ، وبين الخط الاستراتيجي
للحزب ، باتجاه افكاره المركزية؟وقبل ان اجيب على السؤال ،
اود ان الفت انتباهكم ايها الرفاق ، الى ان نقدي الشديد لبعض التدابير
والتصورات يجب ان لا يقودكم الى استنتاجات مغلوطة وغير طبيعية ، عن حياتنا
الداخلية في الحزب ، او ان تتصورا أن ( الرفيق صدام حسين ) يريد ان يصع
نفسه بمنأى عن الأخطاء ، لا ، فكل خطأ يحصل تكون القيادة مسؤولة عنه
مسؤولية تضامنية ، وانا ايضا أتحمل مسؤوليتي عن أي خطأ من هذا القبيل ،
بصيغ متوازنة مع موقعي الحزبي ، في اطار المسؤولية المشتركة لمبدأ القيادة
الجماعية . وانا هنا ، وفي اي مكان أخر ، بعثي ، والمطلوب هو الكلام الصريح
وليس التبرير .ربما تلوى الكلمات احيانا
امام بعض الاوساط ، وامام الاعداء … ربما نخفي بعض الامور ، لكننا امام
الرفاق ، وفي مستوى مثل هذا الاجتماع ، يجب ان نقول الاشياء الضرورية ،
وبقناعة الانسان البعثي … والشيء الاخر الذي اريده ان يكون واضحا لكم هو ان
نقدنا للظواهر السلبية يجب ان لا يقودكم الى ان تتصوروا اننا عاجزون عن
علاجها ، لكن القدرة في التاثير على المواقع المطلوب التأثير عليها ، يجب
ان تتوازن مع أصل القدرة الذاتية المتوفرة والمتنامية ، ومع مهامها ، من
خلال الظروف ، فنحن كحزب نؤثر بمستوى قدراتنا الذاتية في الفعل والقدرات
المضافة بالتطور ، وعندما نقر بوجود سلبيات في الدولة جوابا على اسئلتكم ،
فهذا معناه اننا لا نزال غير قادرين على الوصول الى (( الشعيرات )) الصغيرة
في الدولة ، وبالشكل الذي يجعلنا نقلل من الاخطاء والسلبيات التي تشغل
بالكم ، والتي وردت على لسان عدد كبير من الرفاق في اسئلتهم .ايها الرفاق ؛ ان المواقف
التكتيكية يجب ان لا تتعارض او تتنافى مع الخط الاستراتيجي ، بل يجب ان
تكون في خدمة الخط الاستراتيجي المعبر عنه سياسيا باهداف محددة لمرحلة من
الزمن ، وعلى طريق الاهداف المبدئية للحزب .هذا هو المبدأ المركزي
للعلاقة بين الستراتيجية والتكتيك ، ولكن هذا لا يعني ان تأخذ الصيغ
التكتيكية باستمرار ، نفس الاتجاهات الستراتيجية من حيث الشكل ، اذ قد تبدو
الصيغ التكتيكية بالشكل وكأنها غير متوازنة تماما مع الخط الاستراتيجي
احيانا ، ولكنها في كل نتائجها وفي جميع الاحوال ، يجب ان لا تتنافى او
تتعارض مع الخط الاستراتيجي من حيث النتيجة .وعندما يكون هناك تعارض او
تناف بين الخط الاستراتيجي ، وبين الصيغ التكتيكية من حيث النتيجة ، فعند
ذلك يجب ان نعرف ان هناك خطأ ما في الصيغ التكتيكية ، مطلوبا تعديله لصالح
الخط الستراتيجي .. ، ومسألة التكتيك والستراتيجية مسألة من اهم واخطر
المسائل في الفكر الثوري ، والتطبيق العملي لمسلتزمات الفكر الثوري والثورة
, وهي تتطلب , بالدرجة الاولى حصانة مبديئة عالية , كيما تكون المقاسات
دقيقة , وكيما تكون الموزانة دقيقة بين صيغ التكتيك وبين السترايجية ,
ولكيما يضع المخطط دائما . نصب عينيه هذه الحقيقة , ولا تستهويه النتائج
المباشرة والسريعة , التي تحققها صيغ العمل التكتيكي , فتبعده عن الخط
الاسترايجي المبدئي , في الوقت الذي يجب ان يكون ذا تجربة غنية ومهمة ,
وعلى الدرحة عالية من الاطلاع والقدرة السياسية في موازنة التدابير والصيغ
العملية الواجب العمل بها مع الاسترايجيات الموصلة الى الاهداف النهائية
للمبادئ , والا فان صيغا وممارسات خاطئة شتى تبرز بالتاكيد بين يتمسك
بالسترايجية , دون ان يرى المستلزمات والصيغ السياسية لها , وبين من يعتمد
التكتيك وتستهويه نتائجه المباشرة المعزولة عن الخط الاستراتيجي , بحيث
يحصل التعارض في مرحلة لاحقة بين التكتيك والستراتيجية والتعارض او التنافي
بين التكتيك والستراتيجية وفق هذا النمط من التفكير انما هو من الامراض
والاخطاء المعروفة التي تصاب بها الحركات الثورية . اذن فالمطلوب , دائما , هو
ان تكون هناك ستراتيجة على طريق المباديء, وان يكون هناك تكتيك , اي صيغ
سياسية عملية متلائمة مع المرحلة المتطورة و معطياتها وقدارتها على التحمل ,
ومطلوب دائما ان يكون التكتيك في خدمة الستراتيجية … هذه هي الاجابة
المختصرة حول هذا الموضوع . احد الرفاق سال عن العلاقة
بين الفكر والممارسة واسترسل لكي يقول : ((لاحظنا في المحاضرات التي
القاها علينا بعض الرفاق في المدرسة الاعداد الحزبي , انها خالية من
الشواهد العملية لاغراض التطبيق , وفي جانب اخر وتبدو وكانها مختلفة , او
غير منسجمة مع اصل حركة الثورة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية وغيرها )) , وبعدها يسال الرفيق عن الاشتراكية العربية ..
والطريق العربي للاشتراكية .. والاشتراكية العلمية .وجوابي على السؤال ما يلي :
ان الفكر اساسا انما ينضح من المعاناة ، ولا يمكن للمعاناة ان تنفصل عن
التجربة الحية للواقع اليومي الذي يعيشة الانسان ، وفي الوقت نفسه ، فان
الفكر يمتد الى المستقبل ، ليسبق الواقع ويكون المرتكز الاساسي لتغييره ،
فان الفكر يكون منفصلا ومتصلا بالواقع في وقت واحد ، منفصلا ، بمعنى انه
يسبق الواقع في التحليل وتصور المعالجات . ومتصلا ، بمعنى ان عينات الواقع
المرئية هي مصدر الالهام الرئيسي وهي الدليل الاساس لان ينضح الفكر من
موقعه الى امام .فعندما نبني نظريتنا في
العمل المعبر عن منطلقاتنا الفكرية ، لا بد ان ترد في اذهاننا تجربة
الشيوعية الدولية .. وعندها تبرز امامنا ، في محاكمة الامور … الماركسية
كقاعدة فلسفية للشيوعية ، واننا نعرف ان الشواهد العملية الحية للماركسية
في التطبيق لم تظهر الا بعد ثورة اكتوبر ، عندما ظهرت ( الماركسية –
اللينية ) ، والتي عمرها الان في التجربة 59 عاما . اذن فالفكر الماركسي لم
يعد فكرا بالتصور فقط ، لان التصور قد ارتبط بالحركة اليومية للمجتمع بعد
ثورة اكتوبر ، فغدت الحركة اليومية للمجتمع فكرا مضافا ينضح من التجربة ،
اي تفاعل الواقع ، في حركته ، مع الفكر المتصور من موقعه ، باعتبار ان
العلاقة بين الاثنين هي علاقة جدلية .فالواقع اليومي يتضمن فكرا
، والفكر يتقدم على واقع الحركة اليومية في المجتمع بالتصور ، وهو بحاجة
اليه ، كي يلامس أرض الواقع لاغراض التطبيق .لقد عايش الرفاق المحاضرون
الذين تقصدونهم فكر الحزب وفهموه ، ولكنهم قد لا يمتلكون تصورات دقيقة عن
التطور الذي احرزته الثورة ، كضمير معبر عن الحزب في جوهرها ، في مجال
التطبيق العملي الذي يخدم افكار الحزب ، كما وضعت ، لانهم بعيدون عن
المفاصل الحيوية لحركة الثورة ، واذا ما درستم التقرير السياسي للمؤتمر
القطري الثامن ، فانكم ستجدون الربط واضحا بين الافكار وبين التجربة .. بين
الافكار المتصورة كما وضعت وبين التجربة ، كافكار مضافة على اصل فكر الحزب
، من خلال الواقع العملي المتحرك .لا بد ان يكون تصورنا
دقيقا في ان التجربة في التطبيق ، انما هي تجربة في ظل الافكار وفي خدمة
الافكار.. والتجربة والتطبيق هما وعاء تنضح منه أفكار مضافة حسب مقتضيات
الحال ، كيما تغني وتطور الفكر المركزي ، هذا ما يتعلق بالسؤال الاول .اما فيما يتعلق بالسؤال
الثاني حول الاشتراكية العربية ، والطريق العربي للاشتراكية ، والاشتراكية
العلمية وما ورد في كلام بعض الرفاق من قادة الحزب حولها ، فأنني اقول : ان
تجربتنا لن تستنسخ عن غيرها قطعا ، لا في الفكر ، ولا في التطبيق ، ولكننا
، في الوقت نفسه ، يجب ان نتعامل مع الفكر الانساني الثوري بثقة وكفاءة
بصيغة الاخذ والعطاء من موقعنا المحصن بخصوصية المبادئ التي تخدم واقعنا
الوطني والقومي كما أننا يجب الا نكون معزولين عن الفكر الانساني الثوري
والاشتراكي فنتصور ان كل ما ورد في الفكر الانساني في هذا الميدان بعيدا عن
أن يخدم جانبا من تجربتنا في عملية التفاعل المطلوبة وليس بصيغة النقل
الالي وان يخدم مسيرتنا الوطنية والقومية رغم خصوصيتها.لقد جرى الحديث بهذا
الموضوع من قبل رفاق غيري ، كما انني ايضا تحدثت كثيرا حول هذا الموضوع ،
وحتما قرأتم حديثي مع العمال في 25 شباط 1976 والكادر الحزبي المتقدم فيما
مناسبات شتى ، اذ كثيرا ما كنا نتحدث في هذا الموضوع ، فهذه هي الخلاصة
التي سأتحدث عنها في هذا المكان. اقول ، ان طريقنا هو طريق
عربي ، بمعنى الخصوصية الوطنية والقومية ، واشتراكيتنا الثورية ، وتستقي من
الفكر الانساني العلمي الثوري ، بصيغة التفاعل ، وبما يحصن خصوصيتها
الوطنية والقومية ويفتح الابواب واسعا ، في الوقت نفسه ، للتفاعل ضمن الفكر
الانساني ، كعطاء للانسانية عموما .– ولقد سأل
أحد الرفاق سؤالا اخر منتقدا ندوة اقيمت في جمعية الاقتصاديين ، ومشيرا الى
ان الندوة انتقدت القطاع الاشتراكي والتنمية في بعض جوانبهما ، ودعت الى
فتح مجال اوسع للقطاع الخاص الخ .انا لم اقراء هذه الندوة
ولا شاهدتها ولا سمعتها ، ولكن لا بد ان نتحدث عن شيء اوسع من هذا …. اوسع
من الندوة ، وما قيل فيها من امور معينة تبدو للبعض ممن حضرها انها تنطوي
على سلبيات خاصة . لنقل ان الثورة ، حتى الان ، لم تحسم المعركة في داخلها ،
وان الحزب ، حتى الآن ، لم يحسم المعركة في داخله ، بمعنى انه لو ارتجت
الموازين الآن فربما نعود الى حكم يميني ، ولو حصل انقلاب داخلي ، داخل حزب
البعث العربي الاشتراكي ، ربما نصبح كالنظام السوري ، فهذه الامور ، حتى
الان ، لم تحسم بشكل مطلق .. بمعنى ان الاخطار والمرتكزات التي تصنع الردة
ما زالت قائمة ، ومحيطة بالحزب .فمتى تحسم المسالة في الثورة ؟ومتى تحسم المسألة في الحزب ؟تحسم المسألة في الثورة
حينما يكون الخطأ الذي يحدث في اجهزة الدولة مجرد خطأ وليس صيغا مخططة
ومقصودة تصب في بركة كبيرة ، يراد منها ان تكون المرتكزات المادية والنفسية
للثورة المضادة .. وتحسم معركة الثورة مع نفسها متى ما جعلت اجهزة الدولة
وعلاقاتها ثورية بالحد الادنى المتصور كما يطمح الحزب ، وتحسم معركة الحزب
مع نفسه عندما ينتهي الخطر من ان تتسلق مجموعة يمينية في يوم ما ، بأية
صيغة من صيغ التسلق غير المشروع ، لكي تحتل مراكز مؤثرة او قيادية ، من
شأنها ان تحرف المسيرة عن طريقها الذي تسلكه الآن ، والذي يعبر عن اهداف
وضمير الحزب كما هو معروف لدينا . هذا هو جوهر الامور ، ولا بد ان نقول
بثقة ، ان تشخيص هذه المسائل لا يرعبنا ولا يخيفنا ، وانما يدعونا الى
اليقظة المستمرة والعمل الدائم ، وحتى لا يميل الرفاق الى الخدر ، ويتصوروا
ان مضي ثماني سنوات على الثورة من شأنه ان يجعل الباب موصدا بشكل نهائي
امام الردة ولذلك يستوجب الامر تشديد الرقابة الفكرية العالية ، وتعميق
الحصانة المبدئية ،فلا يجب ان نبتعد عندورنا في الرقابة في الحياة الداخلية
للحزب والدولة , ولا نبتعد عن دورنا في تنشيط الرقابة الجماهيرية على
اجهزة الدولة , وحتى في الشعيرات الصغيرة التي لابد ان تحتل فيها عناصر
رجعية او يمينة مواقع معينة باتجاه مضاد , وان نعمل بهمة لا تلين في تطهير
اجهوة الدولة في المواقع والمفاصل الحيوية , التي تحتل فيها العناصر
اليمينية مواقع مؤثرة , وان نسد فرص الصعود بوجه العناصر المماثلة في الحزب
, وان نقوي ضوابط الحصانة التنظمية والمبدئية في الحياة الداخلية للحزب .والان نأتي الى الحديث عن
التنمية , اذ ربما لا يوجد تصور كاف لدى بعض الرفاق لدور التنمية على طريق
تحقيق مبادئ حزبنا , وتفهم دور التنمية في تطبيق الاشتراكية , وفي حسم
المعركة بالمعنى الذي اشرنا اليه , وحسم المعركة داخل الحزب بالصيغ التي
اوضحنها .. ان الافكار , لاغراض التطبيق والرسوخ وبناء التقاليد , لابد ان
تعبر عن نفسها بصيغ عملية واذا ما بقيت مجرد كتاب , فأن العملية المضادة
ستكون سهلة جدا , وان اي مغامر يتسلم مقاليد الامور بأمكانه ان يعيد هذا
الكتاب الى المكتبة , وكل الذي يفعله المغامر بعد امتلاك السلطة السياسية
هو (( جمع الكتب )) لكي ينهي او يضعف التأثيرات المضادة للحزب ضمن مرحلته ,
الم تشهد ما حصل في سورية عندما وقع الانقلاب الثلاثي جديد .. الاتاسي ..
حافظ اسد ؟ ان الشعب لم يستمت ويقاتل دفاعا عن الحكم وعن النظام المنهار
المحسوب على حزب البعث العربي الاشتراكي , وعندما انهار نظامنا في عام 1963
لم يقاتل الشعب دفاعا عن نظامنا المنهار , ورغم ان الحزب امضى هنا تسعة
شهور , وهناك ثلاث سنوات , ولكن لا الاشهر التسعة , ولا السنوات الثلاث
تركت اثار مادية ايجابية ومهمة , من شانها ان تقف كعقبات فعلية بوجه
المغامرين . اذن فالمبادئ تصبح خطرا ,
وتصبح عقبة حقيقة بوجه التسلل اليميني او الرجعي المبشوه والعميل , عندما
تصبح القوانين في التطبيق , وعندما تصبح منجزات مادية تغير الواقع
الاجتماعي والثقافي للشعب , الى واقع جديد يعكس افكار الحزب , فالحديث
بمنطق ثوري في السياسية الخارجية , والحديث والعمل بمنطق ثوري في العلاقات
السياسية مع الحركات الوطنية في الداخل , لا يجدي شيئا , ما لم يغير الواقع
الاجتماعي طبقا للمبادئ , والواقع الاجتماعي لا يتغير طبقا للمبادئ ما لم
يكن الاقتصاد في خدمة تغير الواقع الاجتماعي طبقا للمبادئ , والا فما قيمة
ان يجري الحديث عن الاشتراكية ونبقي على الطبقات ؟ وما قيمة ان يجري الحديث
عن الاشتراكية ويبقى الناس جياعا ؟ وما معنى ان نتحدث عن الاشتراكية ويبقى
الناس بدون ضمان ؟ وما هي قيمة المبادئ اذا ما القى الموظف او العامل
المريض مرضا معوقا او مقعدا , على قارعة الطريق , بدون مصدر عيش محدد ,
وبدون رعاية صحية من قبل الدولة ؟. وعندما يكون مثل هذا الموظف والعامل
بدون ضمان , فهل يذكر حزب البعث بخير , في هذه القضية او في غيرها , عندما
يسقط الحزب ؟ انه لن يذكر الحزب بخير , لانه اذا لم يوجد قانون ينقل موقعه
من حالة الى حالة , بالشكل الذي يجعله يفهم المبادئ كما اعلنت , ويفهم
الاخلاص للمبادئ كما قرئت عليه , او كما اطلع عليها , لا يمكن ان يتشبت
تشبتا فعليا بحزب البعث العربي الاشتراكي , كما لا يمكن ان نوفر الضمانة
التي تحسم معركة الحزب في داخله .. والمعركة داخل الثورة كما اشرنا الى ذلك
. وعندما نتحدث عن التنمية ودورها في تطبيق المبادئ الحزب لابد ان نتحدث
عن علاقة مدخولات المواطنين بتوفير الحاجات المشروعة لهم … كيف يمكن ان
نتصور تثبيت مدخولات المواطنين العراقيين وحسابها بصيغة متوزانة مع الحاجة ,
اذا كانت اسعار السلع في ارتفاع مستمر ؟ حتى الان لا توجد قدرة دقيقة
تستطيع ان تعيد النظر بالمدخولات سنويا , وان ترسم جدولا للاسعار متناسبا ,
بالمنظار الاشتراكي مع الدخل , مما يقتضي ان يستقر الدخل لفترة من الزمن ,
وان تثبت الاسعار نسبيا لفترة من الزمن كذلك . ان الدخل هو العنصر الحاسم
لتوفير احتياجات المواطنين , وعلى هذا الاساس فانه ما لم يحدد سعر السلعة
وعموم احتياجات المواطن , وما لم يثبت سعرها ثباتا نسبيا , فليس بالمقدور
تطبيق الاشتراكية .كيف نثبت الدخول نسبيا ،
وكيف نثبت الاسعار نسبيا ونوازن الموارد مع الاسعار للمقتضيات الضرورية
وللحاجات الاستهلاكية للمواطنين ، على طريق التطبيق الاشتراكي ؟ربما يتصور البعض منكم ان
قيام الدولة باستيراد البضائع من الخارج ، وقيامها بتحديد الاسعار يحل
المشكلة في هذا الجانب من المثال الذي اشرنا اليه .. غير ان هذا التصور
خاطئ لاننا ما دمنا بلدا مستوردا ، بصفة عامة ، لا يمكننا ان نطبق
الاشتراكية تطبيقا تاماً ، لان اعتمادنا على الاستيراد يعني ان نخضع في
تحديد السعر الى تقلبات السوق الدولية . ونكون بذلك امام قائمة سنوية ، على
الاقل ، ان لم نقل نصف سنوية ، في اعادة النظر بالاسعار .وطبيعي ان الاختلال في
الاسعار , للسلع والخدمات , لابد ان ينعكس على الدخل , وينعكس تبعا لذلك
على الواقع الاجتماعي بصيغة فوارق طبقية , بشكل او باخر . اذن لابد من الوصول الى
حالة ما من الاكتفاء في انتاج السلع الاساسية المؤثرة على هذه الموازنة
التي تحدثنا عنها الاقل , وامام هذا التصور سنكون ازاء المجتمع الذي نريد,
فنرسم له الصورة بما ينسجم مع مبادئ الحزب , فهل بالامكان ان يحصل هذا من
دون تنمية ؟ بدون التنمية لن نكون امام الصورة التي تريد تطبيقها , هذه هي
النقطة الاولى . اما النقطة الثانية .. فهي .. ان اقتصادنا اقتصاد وحيد
الجانب حتى الان . بمعنى ان موارد النفط هي التي تلعب الدور الحاسم في
اقتصادنا , وفي الوقت التي تباع نسبة كبيرة منه حتى الان في الاسواق
الراسمالية , التي تلعب بها وتؤثر فيها المخططات الراسمالية المعبرة عن
ستراتيجية , البلدان الراسمالية الكبرى , مما يجعل النفط خام , وفي العوامل
الرئيسية المؤثرة على مبيعاته , محكموما بتقلبات السوق الراسمالية ,
وستراتيجياتها , وينعكس هذا , تبعا لذلك , باثار سلبية على مواردنا , وبذلك
يلحق ضررا بالتطبيق الاشتراكي في مجتمعنا . ان الحديث بصوت عال عن
الاشتراكية لن يخيف الامبرياليين واعوانهم, ما لم تكن هناك قوانين فعلية
موضوعة موضع التنفيذ , لتغير المجتمع تغييرا ثوريا واشتراكيا , وما لم يكن
لنا اقتصاد ثابت الركائز ومزدهر , وبذلك ترسخ المبادئ في التطبيق . لهذين
العاملين , كنموذج , ولعوامل اخرى كثيرة , ليس هنا المجال لتوضيحها , تحارب
التنمية , لان التنمية تخدم المبادئ .. ولهذا السبب فان قيادة الحزب هي
التي قادت عملية التنمية … ولم يقودها الفنيون , ولهذا السبب ايضا , فان
بعض الفنيين متضايقون من المسيرة العامة للتنمية , لانه ليس لهم دور قيادي
فيها , والاسباب اخرى . اننا نقول هنا , وبمسؤولية
: عليكم الا تتصرفوا في المسائل الاقتصادية والفنية الرئيسية بدون ان
تسشيروا الفنيين. ولكن اياكم , ان تتركوا للفنيين مهمة قيادة الاقتصاد
الوطني . لا تتيحوا لهم المجال لاخذ
الدور القيادي ، وانما يجب ان يكونوا دائما تحت توجيه وقيادة العقل
القيادي الثوري ، الذي لا تتحدد قدراته ومعرفته بالاختصاص التقني فقط ..
والذي يفهم الثورة ويفهم الوسائل الحاسمة لتغيير عموم المجتمع واتجاهات هذا
التغيير ، فيضع كل حركة من حركات الاقتصاد في خدمتها وخدمة اهدافها . ان
الكثير من الفنيين ، بما في ذلك بعض البعثيين ، يجد نفسه في كثيير من
الاحيان منساقا لمعالجة القضية المطروحة عليه من زاوية فنية ، وينسى ان
يحكم الربط بين المعالجة الفنية وبين عموم فكر الثورة … الذي هو طريق بناء
المجتمع الجديد ، وكل زاوية من زوايا حركة الدولة والثورة . والحماس
للتنمية يجب ان لا يحجب عنا اخطاءها ، واهمية العلاج الدقيق لتلك الاخطاء ،
ولكننا يجب ان نفرق دائما بين النقد النزيه للاخطاء ، الذي يهدف الى
الارتقاء بالتجربة الى مرتبة اعلى ، وتعميق مسيرتها وفق منطلقات الحزب
وسياسات الثورة ، وبين من يريد من نقد الاخطاء ايقاف مسيرة التنمية
والتأثير ، سيكولوجيا وفكريا ، على الاتجاهات الرئيسية في الثورة بنوايا
مضادة . والحديث عن دور القطاع الخاص بقصد تنشيط اقتصادنا
ومعالجة الحلقات الضعيقة فيه ، وبما يبقي القطاع الخاص ضمن قدرة الثورة على
تحديد مساراته وتكييف صيغه واتجاهاته ، أمر لا نعتبره مثيرا للشبهات . على
اننا يجب ، ان لا نجعل من الضرورات الظرفية صيغا طاغية , بحيث تختل
الموازنة في سياستنا وفي تفكيرنا الستراتيجي . فاذا كنا بحاجة الى رأس
المال أو الى قدرة اضافية من الخبرة والمجهود مثلا علينا ، جينما نتجه الى
القطاع الخاص ، ان لا ننسى ان نحدد حجمه ، واهدافه ومساراته ونوع نشاطاته ،
ليس على اساس الحاجة الظرفية حسب ، وانما على اساس مجمل التصورات اللاحقة
لبرامجنا في بناء المجتمع ايضا ، لحاجتنا في هذا المجال او ذاك وفي هذا
الوقت او ذاك ، ومع ذلك فاننا يجب ان لا نتطير من الافكار النقدية المخلصة
التي تقال في اجواء الديمقراطية .وفي الوقت نفسه فأننا يجب
الا نترك الافكار الخاطئة او المنحرفة تمر دون ان نؤشر عليها ونعالجها بوعي
وحزم ، ذلك ان مواقع الردة انما تمكن في داخلنا .. اي داخل المجتمع
العراقي ، وداخل اجهزة الدولة ، وما زالت هذه المواقع قوية ، لانها موجودة
فك وسيكولوجيا في كل قطاع من قطاعات الدولة ، ويعبر عنها احيانا بصيغ شتى
حسب ظروف الحال ، لذا يجب ان يكون الانتباه قويا وان يعتمد الخط العقلاني
الثوري ، وليس المتزايد ، لان المزايدة انما تخدم العقلية اليمينية ، وتشكل
مبررا قويا لتدعيم حجتها وابرازها وابراز صيغها بشكل منطقي ، وبما يخفي
نواياها .اما الخط الثوري المدعوم
بالتجربة الغنية ، والدقيق في حسابات ما تتحمله كل مرحلة من المراحل في
جميع جوانبها ، فهو الخط القادر على أن يهزم اليمين والرجعية … كفكر
وكنفسية وكصيغ للتطبيق .. فعليكم الانتباه الى البعض حينما يتحدثون عن خطة
التنمية ، اعني الا يكون انتباهكم مجردا من الشك العقلاني المشروع ، وليس
الشك المتهور ، لان محاولة التصدي لحركة التنمية ، حينما تصدر عن أي انسان ،
سواء كان يعلم أو لا يعلم ، تعتبر تصديا للاتجاه الاشتراكي ، وفي الوقت
نفسه تصديا لاستقرار الثورة ، وحسم معركة الثورة مع الاتجاهات والصيغ
الغريبة عنها .يقول احد الرفاق بأن
التنمية الانفجارية قد اثقلت على الاجهزة التنفيذية ، ويسأل الرفيق عما اذا
كانت هناك نية لاعادة النظر بالخطة ؟ نحن كما هو معلوم نعمل
الان بمنهاج استثماري امده سنة ، والخطة الخمسية التي كان مقررا لها أن
تبدأ هذه السنة قد اجلت الى السنة القادمة . اما الاجهزة التنفيذية ،
والجهاز الاداري الذي تحدث عنه الرفاق عن سلبيات موجودة فيه .. منها غياب
المواد الاستهلاكية .. وغياب مواد اخرى عديدة ، وقالوا : بان هذه السلبيات
اصبحت تعطل مفعول الكثير من القرارات الكبيرة ، كقرار التأميم والانتصار
على الجيب العميل .. وغيرها من القرارات .. هذه الاجهزة ساتحدث عنها ، ولكي
يشمل الحديث اكثر من نقطة ، أقول أيها الرفاق : اينما يوجد عقل القيادة
المعبر عن ضمير الحزب ، توجد القرارات الثورية الدقيقة أما شعيرات الدولة
الصغيرة ، وحتى بعض مفاصلها ، فان ضمير الحزب ، معبرا عنه بصيغ عقل القيادة
، ليس موجودا هناك ، واذا ما وجد فلا يوجد بشكل كاف … وان الكثير من مثل
هذه المفاصل والشعيرات يوجد فيها اناس بعضهم رجعي أو يميني وبعضهم وطني
بشكل عام ، والبعض الاخر مجرد موظفين روتينيين . لهذا السبب نجد ان الاخطاء
تكثر في الشعيرات والمفاصل الادني ، في الوقت الذي تسجل في القيادة
انتصارات حاسمة غي اكثر المسائل تعقيدا … لكننا هنا يجب أن نسأل عن دوركم
انتم في الرقابة وفي التصحيح ، وفي الوقت نفسه علينا دائما ان نضع في
حسابنا بان النقد وحده لا يجدي ، وأكتشاف وتأشير الظاهرة الخاطئة وحده لا
يجدي ، ما لم نجد دائما ان الظاهرة التي نكتشفها هذه السنة تتقلص في السنة
القادمة على الاقل ، ان لم تنته وذلك عن طريق التوعية والرقابة والتصحيح
والحساب .وما دمنا في الحديث عن
السلبيات فسوف ننتقل لنعطي الموضوع بالكامل صورته اللازمة باعتباره مترابطا
. لنجب عن الاستفسار عن المقالات التي نشرتها جريدة الثورة تحت عنوان : ((
ظواهر مدانة لن تمر دون عقاب )) فأقول أيها الرفاق ؛ انه ليس بالضرورة ان
تتصوروا ان كل مقال تنشره جريدة الثورة ستعقبه سلسلة من التغيرات بطريقة
دراماتيكية ، فيحال البعض على المحاكم … او يعزل البعض الاخر .. الخ ..وانما المقصود بالدرجة
الاولى ، حينما يكتب في (( الثورة )) أو في (( الثورة العربية )) فانما
المطلوب في المقام الاول هو ان نحصنكم سياسيا ومبدئيا تجاه الظواهر المدانه
.. وننشط في الوقت نفسه ، دوركم الرقابي ، ونبين لكم وللجماهير ما هو صحيح
وما هو خاطئ أو منحرف ، لكي ينمو دوركم التأثيري باتجاه مضاد للاتجاهات
السلبية ، وهذه هي النقطة الحاسمة اولا ، ولكن هذا لا يعني أنه لا يوجد
تعقب للظواهر المدانة ، يوجد تعقب للظواهر المدانة ، ويوجد عقاب ، ولكن ليس
بالطريقة الدراماتيكية التي تتصورونها ، كأن تجلس القيادة وتعطل أعمالها
وتجعل من نفسها محكمة فتفصل هذا .. أو تعزل ذاك . الثورة لا تحتاج الى مثل
هذه الطريقة الان .. وانما هي بحاجة الى الطريق الهادئ والصبور والحازم في
الوقت نفسه … الطريق الهادئ ليس بمعنى ان يتحول الهدوء الى غطاء للتخلي ،
وانما يكون الهدوء على طريق تعزيز مواقع المفهوم الثوري . هذه هو معنى
الهدوء الذي نختاره نحن كطريق للعلاج ، فأنتم عندما تكونون في دوائكم
الرسمية وترون ظاهرة مدانة ، تأكدوا أن المعنيين سيخشونكم حينما تؤشرون هذه
الظاهرة وتقفون عندها وقفة بعثية مبدئية . وسيخشاكم كذلك البعثي الذي يقع
في خطأ أو انحراف . ولكنكم عندما تتهاونون اذاء هذه الظواهر ، أو تمرون بها
دون أن تقفوا عندها وتشخصونها بدقة ، أو تشجعونها ، سيجد الأخرون طبعا ،
سواء أكانوا بعثيين أو غير بعثيين ، أن هذا الطريق المدان هو طريق مشروع ،
أو غير مرفوض على الاقل ، لانه غير معترض عليه .ومقالات جريدة الثورة لم
تستثن بعض البعثيين من هذه الظواهر المدانه ، وانما تحدثت كثيرا عن مسؤولية
رفاق أو حزبيين بعثيين عن بعض الظواهر ، ومشاركتهم لعناصر أخرى فيها .أحد الرفاق من قيادة فرقة
تموز الجوية يسأل عن تصورات قيادة الحزب للقيادة الشمالية بين العراق
وسوريا ، فيما اذا وافق النظام السوري . وجوابي على هذا السؤال هو : رغم
معرفتنا بأتجاهات النظام السوري ، وهذا أمر مهم فاننا بادرنا الى تحريك
قطعاتنا . لقد اطلعتم على النشرة الداخلية للحزب حول هذا الموضوع ، وهي
تحتوي على معلومات وتحليلات واسعة لن أمر عليها ، ولكنني سوف أمر على
الامور التي لم تتطرق اليها النشرة علينا ان لا نتصور بأن
معركتنا مع النظام السوري تمر بطريق واحد ، أو انها تحسم بالطريق التقليدي …
ذلك لاننا عرب ، والساحة المتنازع فيها هي الوطن العربي ، والحكم الذي
سيرجح الموازنة فيها هو الشعب العربي ، لذا علينا ان لا نتصور ان كل
القناعات التي نصل اليها هي نفس القناعات التي يتوصل اليها الشعب العربي
خارج القطر العراقي في تقييمه للنظام السوري ، وبنفس الوقت .ان النظام السوري قد مر في
مسيرته بسلسلة معقدة ، ليخفي الكثير من الظواهر التي تدل على جوهره
المنحرف ، ووصلت به الوقاحة الى الحد الذي جعله يفسر تخليه عن جزء جديد من
الجولان في حرب تشرين على أنه انتصار كبير .لقد دخل النظام السوري
المعركة عام 1967 وخسر جزءا كبيرا من الجولان ودخل المعركة عام 1973 ،وخسر
جزءا اضافيا ، ومع ذلك تراهم يتحدثون عن البطولة – رغم ان هذا النظام
المنحرف يدرك أنه كلما دخل معركة فانه كان يخسر في الواقع العملي جزءا من
الارض – وينحدرون أكثر فأكثر في مستنقع الخيانة.واذا تركنا هذا الجانب
لنأخذ جانبا أخر .. فأننا نجد أن كل حاكم يحرص على الارض التي يحكم عليها
من أجل أن يحافظ على الكرسي الذي يحكم من خلاله ، اذ لا بد ان يكون تحت هذا
الكرسي أرض ،وحتى الحاكم الرجعي يدافع عن ارض كرسيه , فالدفاع عن ارض
الكرسي اذن ليس دليلا كافيا على وطنية الحاكم .. بغض النظر عن كونه
رأسماليا او اشتراكيا , رجعيا مرتبطا , او تحرريا مستقلا , اذن فمسالة
الدفاع عن الارض , حتى لو توفرت النية الكاملة للدفاع عنها , ليست دليلا ,
او تصلح وحدها لان تكون دليلا نهائيا على وطنية الحاكم . فاين البطولة الوطنية اذن ,
التي يتحدث عنها الحكام السوريون ؟ ولماذا يتحدثون بهذه الطريقة ؟ ان لهذا
الموقف دلالات عمقية جدا , اذ حتى الانسان العادي في المجتمع نجده , عندما
يوغل في اعمال مشروعة , وفي طريق غير مشروع , يصل الى درجة لا يشعر فيها
بالخجل , ولا بتانيب الضمير , لانه بوصوله الى مثل هذه النقطة تصبح جميع
الصيغ التي يتعامل بها جزأء من حياته , ولا يشعر ازاءها بالغربة , ويبدأ
يحس بأنها جزء غير مشروع من عمله اليومي .فامام الحالة من هذا النوع
, وفي وسط الظرف العربي المعقد , فأننا مطالبون , على ضوء كل التطور يحصل
في المعركة , ان نطرح صيغة في التعامل تصلح في نتائجها النهائية , لان تضيف
حكما لصالحنا ومضادا للنظام السوري , وبالتالي لابد ان تكون لمصلحة الامة
العربية ونضالها التحرري . ان مسألة النظام المشبوه
وغير المشبوه مسألة تستحق ان نقف عندها ايضا , لنعطيها التفسير العلمي كما
نراه , فقد يكون في النظام السوري وحلقاته المؤثرة عناصر وطنية , لكن هذا
لا يكفي لان يقيم النظام على انه نظام وطني .. او ان تنتفي عنه صفة الشبهة
…. لان الحاكم اذا ما ابتعد عن صيغ جوهرية اساسها الاستجابة لضمير الشعب ,
والانصات لرأيه , واذا ما تخلى عن صيغ العمل الثوري في التعامل مع المجتمع
.. فعندها ستصب عليه روافد مشبوهة من جهات اخرى , حتى لو كان مثل هذا الحكم
وطنيا بالمفهوم العام التقليدي للوطنية . فالذي يعتمد على الاستشاريين
المشبوهين مشبوه , حتى عندما يكون وطنيا , لان قرارته ومسيرة حكمه ستكون
مشبوهة والقيادةالمشبوه في اغلبيتها , عندما تكون مسؤولة عن قيادة اي نظام ,
تجعل هذا النظام مشبوها , حتى في حالة وجود وطنيين ((عموميين)) من بين
اعضائها … اذ لا يمكن في مثل هذه الحالة الا ان يكون في قراراتها
((متخللات)) .. ومتخللات هي عبارة عن مواقع لتأثير الجهات المشبوهة على
القرارات النهائية والاتجاهات النهائية التي تقصدها . حيث ان المحصلة في
النتائج العامة , الجتماعية والاقتصادية والسياسية , القومية والوطنية لا
يمكن ان تكون الا لصالح الروافد المشبوهة التي تصب في هذا النظام . فحين
نستقرئ مسيرة النظام السوري نجد انه , وبدون تشنج , نظام مشبوه , بالنتائج
والدلالات القومية .. وبالنتائج والدلالات الوطنية المحلية .. ( اي ان
بالنتائج والدلالات السورية ), بالاضافة الى العوامل الاخرى التي تتعلق
بخيانتهم للحزب ، وبأعمالهم المشبوهة والمعادية ضد ثورة تموز ، وتصرفاتهم
وسياساتهم على الصعيد القومي ، فنحن ما زلنا نقيم النظام السوري على انه
نظام مشبوه ، لن ترفع عنه هذه الصفة ، حتى ولو دخل وايانا معركة حامية ننضح
فيها الدماء ضد العدو الصهيوني ، لأن معركة التحرير والتزامنا القومي تجاه
أرضنا في الجولان وفلسطين لا يلغيان عنه الصفة التي أشرنا اليها . ولا
يخفيان جرائمه النكراء ضد الامة العربية ، ورغم اننا لا نتعامل مع هذه
المسألة بمبدئية مجردة ورومانتيكية ، الا اننا نجد ان معالجتها وفق السياق
الذي أشرنا اليه لا تقدم خدمة للاتجاهات السياسية للحاكم السوري في هذه
المرحلة ، وانما تقدم تلك المعالجات خدمة فعلية للقضية العربية ، اذا ما
توفرت فرصتها للتحقق ،لاننا لسنا (( معاونين )) للنظام السوري في معركة
التحرير ، وانما نحن أصحاب قضية .. فأرض الجولان ، حتى وان كانت خارج
حقوقنا في السيادة كما رسمتها الحدود القطرية ، هي أرضنا ضمن مفهوم السيادة
للمبادئ في مفهومنا القومي .أحد الرفاق يسأل عن
الاهمال الذي تعانيه بعض الاحياء الشعبية . لقد تحدثنا عن ذلك كثيرا ، أيها
الرفاق ، ونتحدث اليكم الآن من واقع التجربة قبل وبعد الثورة ، لانه يوجد
بينكم رفاق من الاقطار العربية في هذه الدورة ، ونريدهم ان يستفيدوا من هذا
الموضوع بالذات . ولنأخذ مثالا صغيرا … مدينة الثورة ، قبل الثورة نقدنا
الحكام على الاهمال الذي كان حاصلا في هذه المدينة ، لكننا بعد الثورة ،
وبعد مضي ثماني سنوات لم نفعل شيئا حاسما ، قمنا ببعض الاعمال المفيدة في
هذا المكان ، لكننا لم نفعل شيئا حاسما ينهي الظواهر السلبية في حياة الشعب
في مدينة الثورة ، على صعيد النقص في بعض الخدمات ، ولهذا ثلاثة أسباب :السبب الأول : هو اننا ،
حتى الآن ، غير مقتنعين علميا بأن التصميم الراهن لمدينة الثورة ، والبناء
البسيط والمعقد المشيد فيها ، هو صورة مستقبل بغداد ، لذلك فأن الخدمات
المركزية يحب أن تكيف على أساس صورة بغداد كما نفهمها بالمتصور ، وأعني
بذلك المتصور بالمدى المنظور وليس لما بعد مئة سنة . لذلك حتى عندما تتوفر
الامكانيات لتنفيذ بعض الخدمات المركزية في مدينة الثورة ، فأنها يجب ان
تكيف مع الصورة التي تريدها لمدينة بغداد ، اذ يجب ان يعاد النظر في تصميم
بناء مدينة الثورة وفي طراز ونوع بنائها بما يوفر لشعبنا فيها اسس الحياة
الصحيحة والشروط الصحية ، وهذا لا يحله الا البناء العمودي الذي يتطلب
امكانات واسعة لسنا قادرين على توفيرها في الوقت الراهن .السبب الثاني :هو انه ليس من الضروري ، بل ليس من الممكن ان يتحقق الطموح خلال السنوات الثماني المنصرمه من عمر الثورة .لكن ما يمكن تحقيقه لا بد
ان يتحقق على طريق الطموح ولا بد ان تكون الخطوة التي نخطوها غير متعارضة
مع الطموح ، ولا تتناقض معه في الامكانيات التي نتصرف بها في مدينة بغداد ،
وفي عموم القطر . لنأخذ مدينة الثورة ونقارنها بغيرها من أماكن خارج بغداد
.. الحالة الاجتماعية في مدينة الثورة أفضل منها في (( الصحين )) بالجنوب
في مناطق الاهوار. وحال ابن الثورة أفضل من حال فلاح في قرية موجودة في
محافظة الانبار . ان مسؤوليتنا ليست عن بغداد فقط ، لأن صورة مجتمعنا
وشعبنا لا تنعكس في بغداد فقط ، وانما مسؤوليتنا تشمل كل القطر ، ضمن كل
الوطن العربي . وضمن كل الامة العربية .. ومن هنا ربما نتحدث للدورة التي
تأتي بعد دورتكم ، فنبين كيف تكون التنمية سلاحا ذا حدين ، وانها تضعف
الوحدة العربية بدلا من ان تكون في خدمتها ، ما لم يحكم الربط بين الواجب
القومي وبين العمل ضمن القطر … ولقد تحدثنا للرفاق في مكتب الاعلام وفي
المكتب الثقافي حول هذه المسألة مطولا .أما السبب الثالث : فلا
نخفي عليكم بأن بعض العناصر في اجهزة الدولة ، حتى الان ، يستهويها ان تقدم
من الخدمات في مدينة المنصور مثلا اكثر مما تقدم في مدينة الثورة ، ولهذا
السبب قلنا ان الثورة لم تحسم المعركة مع نفسها بشكل كامل ، فاحتياطي اليمن
ما زال مهما ، وقد رأيتم ان اليمين في مصر بعد تسعة عشر عاما مسح كل شيء-
ولم يبق سوى قبر عبدالناصر لم يهدم – وانهى كل شيء ايجابي في مصر ..ان ما تحقق في قطرنا من
انجازات انما هو شيء كبير وعميق ، وغير وجه العراق على الطريق الاجتماعي
والتحرري الوطني عموما ، قوميا وقطريا ، وهو اكثر بكثير … واعمق بكثير مما
تحقق في مصر عبدالناصر ، ويختلف في المسار وفي المنطلقات عن المسار
والمنطلقات التي استند عليها نظام عبدالناصر في مصر . ولكن علينا ان لا
ننسى بأن النظام المصري ايام عبدالناصر قد حقق اشياء ايجابية كثيرة ، الا
ان كل الذي تم بناؤه في تسعة عشر عاما انما سحق في عامين .لذا فما تم بناؤه خلال
الاعوام الثمانية المنصرمة في العراق ، اذا ما حدثت الردة سوف يسحق في زمن
قصير ، لأن العقلية اليمينية موجودة . ولأن مستلزمات انتعاشها موجودة ايضا .ربما تقولون : اذا كان لدى
القيادة هذا الفهم ، فلماذا لا تخلصنا من هذه العقلية اليمينية داخل أجهزة
الدولة ؟ ناسين ان هذه المسألة ليست مسألة سطر يكتب أو قرار يتخذ ، وسوف
اعطيكم مثلا واحدا لتقيسوا على ضوئه . أحيانا يتضح لك أن موظفا ما ذو عقلية
يمينية ، فتحكم عليه بالحكم العام ، بأنه يميني ويتم اخراجه من اجهزة
الدولة تبعا لذلك . لكنه حين يجيئك ، انت البعثي ، متوسطا وطالبا اعادته
الى الخدمه ، فأنك تأخذ عريضته وتشفع له في العودة لدى القيادة، فلو أن كل
واحد منكم فكر مع نفسه ، واعاد الى ذاكرته مثل هذا النمط من السلوك أو
قريبا منه ، لوجد انه ممكن ان يقوم بمثل هذا العمل فعلا ، بل ان البعثيين
(( يستلطف )) أحيانا العناصر اليمينية ، ويقدمها في السلم الاداري
والمؤسسات الانتاجية . اذن فالمطلوب هو أن نتحصن نحن أولا ، ونوجد فواصل
نوعية حقيقية ، وليس الفواصل بمعنى العزلة ، وانما فواصل بالحصانة المتطورة
وسط المجتمع ، تجاه العقليات اليمينية والصيغ اليمينية . أن بعض البعثيين
ما زالوا حتى الآن يطبقون صيغا يمينية في دوائرهم ، وحتى الآن ما زال قسم
كبير منهم تستهويه الانحناءة من بعض الموظفين , ويفضلها على العلاقة او ((
المواجهة )) الرفاقية , واذا ما نبه احدكم الاخر على الخطأ في الدائرة ,
فأنه ينزعج منه ويسعى لاخراجه من الدائرة بطرق غير رفاقية وغير نزيهة … ان
هذه الصيغ هي صيغ يمينية , ولكنكم حتى الان , بالتطبيق والممارسة , لا
تعتبروها صيغيا يمينية , رغم انه من اخطر الصيغ اليمينية , لان بقاء مثل
هذه الظواهر معناه ان الارضية النفسية التي ترتكز عليها الردة الموجودة ,
والبعض من البعثيين يشكل جزءا منها . عندما يغضب المسؤول البعثي
من مدير مكتبه حين ينبهه الى خطأ ما … وعندما يغضب الضابط الكبير ضمن
التسلسل الحزبي من بعض الملاحظات التي يبديها ضابط اخر اصغر منه , ولكنه
بمستوى اعلى منه في الحزب , وعندما لا تتوزان صيغ العمل العسكري داخل
القوات المسلحة . مع التربية والصيغ الحزبية .. عندما يحدث مثل ذلك . فانه
يكون بالنتيجة حصيلة وصيغا تخدم الردة . ويكون لها احتياطي من داخلنا . اذن
فعليكم ان تتحصنوا ضد الصيغ اليمينية التي تمارسونها في عملكم الوظيفي .
ان البعض من البعثيين اخذوا يبحثون عن غير البعثيين ليأتوا للعمل في معيتهم
. والبعض الاخر اصبح يستبدل الوطينين الشرفاء بطراز اخر من الناس , ممن لا
تهمهم مصلحة الوطن , بقدر ما يهمهم رضاء من يعملون بمعيته , حتى اذا تم
ذلك على حساب مصلحة العامة .. لان هؤلاء لا ينبهون على
الاخطاء – ولا يبدون الملاحظات التي (( تزعج )) .. ولو اجرينا جردا
لسكرتيري اغلب رؤساء الدوائر في الدولة , لوجدناهم من النوع الذي لا ينبه
ولا يعترض .. وحتى لا يفكر بمستوى جيد . انني لم اكلف احدا لان يعمل جردا
بذلك … ولكن لدي قناعة في ان بعض البعثيين اخذ يختار السكرتير وفق اسس لا
تخدم النهج العام للحزب على ضوء الظواهر التي اشرت اليها .. انهم يختارون
من النمط الذي لا يفكر ابدا كيف يكون امينا , وكيف يكون مجابها , وكيف يكون
مرشدا . ان واجب السكرتير ان ينبه
رئيسه الى الخطأ الذي قد يقع فيه , وان يحفظ سمعته بالابتعاد عن كل ما يسيئ
اليه وبتنبيهه على مايسيء اليه , لا ان يزين له طريق الشيطان , ويوجد له
صيغ التغطية . ان تطبيق هذا الفهم لعلاقة الموظف البعثي مع غيره . وعلاقة
السكرتيرين مع رؤسائهم قد يكون (( ثقيلا )) جدا . ولكننا كبعثيين حينما
نعود الى انفسنا ونفكر تفكيرا صحيحا فيما يجب ان يكون سلوك المبادئ , نجد
ان مثل هذه الصيغ صحيحة , بل نجدها محببة .. ونطالب بتحقيقها .. انا اعلم
بان تطبيق مثل هذه الصيغ من العلاقة الجديدة عملية ثقيلة بالفهم اليميني ,
ولكنها تحتاج الى ترويض للنفس من خلال الممارسة , وتحتاج الى رقابة ومحاسبة
دقيقة للخارجين عليها .. ويجب ان تسود هذه الصيغ والعلائق لانها مرتبطة
بالمبادئ .. وبتقاليد العمل الثوري لحزبنا .. وبمبدأ القيادة الجماعية
والعمل الجماعي , وهو مبدأ محسوم في مفاهيم حزبنا . ان اهم رصيد يجب ان
تحافظوا عليه هو العلاقة الرفاقية النضالية فيما بينكم , كما كنتم في
المرحلة النضال السلبي و مع احترام صيغ الدولة , على ان لا يكون احترام صيغ
الدولة ذا طابع مظهري مفتعل , وعلى حساب صيغ الحزب ,.. واحرصوا ايضا على
ان لا يقول التاريخ عنكم بأن الضرورات النضالية في العمل السري هي وحدها
التي كانت تحكم علاقات الحب الرفاقي بينكم .. وعندما انتهى العمل السري
وضروراته انتهت علاقات المحبة الرفاقية الصحيحة . ان علاقات المحبة الرفاقية
يجب ان تبقى حتى في الصيغ وفي المرحلة التي انتم فيها الان .. والتي تبدون
فيها اقوياء .. لانها هي طريق القوة .. وهي طريق المنعة ..وهي تجعلكم
تتقدمون الى الامام .. ولكن عندما تنسونها وانتم اقوياء .. فأنكم تضعفون ..
ان مثل هذه المسائل والامور قد تبدو صغيرة , ولكن الحزب الثوري اذا ما
اهمل علاجها , فستكون صيغا احتياطية للردة في داخلنا , فتحصنوا ضدها ايها
الرفاق , ولا تنسوا بأننا ما زلنا في بداية دربنا الطويل . جاء في سؤال احد الرفاق
انه رغم مرور ثماني سنوات على الثورة الا ان التخطيط المركزي للتجارة غير
موجود . كذلك نرى ان بضائع الترف والبضائع ذات الطابع الاستهلاكي اخذت تغرق
السوق . الواقع لابد من تحجيم هذه
الصورة موضوعيا , اذ ان التخطيط موجود , ولكن التخطيط لا يكون دقيق دائما ,
والتنفيذ موجود , وقد اشرنا الى ملاحظاتنا عليه , المرتبطة بطبيعة وعقلية
الاجهزة الموجودة , اما القول بان بضائع الترف تغرق السوق فانه قول مبالغ
فيه , والامر ليس بهذا الشكل .. السؤال الذي يجب ان يطرح هو التالي : كم
تمكنا ( كحزب) ان نحصن الجماهير من ظاهرة استهلاك الذي يتعدى الحاجة ؟ هذا
هو السؤال المركزي , الذي يمكننا القول , بعد الاجابة عنه , كم يمكننا
تقليص الاستيراد ؟ وكيف يجب ان نوجه الاستيراد ؟ هذا الامر الاول ؟ اما
الامر الاخر فهو ان اغلب الضغوط . فيما يتعلق بالتوسع في استيراد البضائع
الاستهالكية غير الضرورية , تأتينا من الحزبيين داخل حزبنا . والذين
يتضجرون من شحة البضائع الاستهلاكية , حتى التي تقع منها خارج احتياجات
الوسط الشعبي . فالحزبيون هم من اول الذين
يمارسون الضغط في هذا المجال , ولو لم يكن الحزب مقتنعا بهذه القضية .
لكان بامكانه ان يقود الجماهير كلها بالاتجاه الذي يريد, لقد اصبح بحدود
نصف مليون انسان من مجموع (12) مليونا ( هم سكان العراق ) اعضاء وانصارا
ومؤيدين لحزبنا , فكيف لا نستطيع ان نقود الشعب بالاتجاه الذي نريد؟ بمقدور
حزبنا ان يفعل كل شي , ولكن عليه ان يقتنع هو اولا , وان يؤمن هو اولا . ان اكثر الموجات تاتي من
عندكم , اي من داخل حزبنا وتكثر التساؤلات .. لماذا لا يوجد دجاج ؟ ولماذا
لا نوفر البضاعة الفلانية الان .. وكأنما يكمن الطريق والمعالجة العلمية ,
في توفير البيض والدجاج , ليأكل الشعب العراقي بيضا ودجاجا الى الحد الذي
يريد ووفق الطريقة التي يختارها , حتى اذا كانت خاطئة . ان مجاراة المفاهيم
والرغبات الخاطئة في هذه الامور والانسياق الى تحقيقها قد يرضي اولئك
المواطنين , ولكنه طريق خاطئ , بل منحرف احيانا , وبخاصة في هذه المرحلة ,
وهو لن يوصل الى المستقبل مشرق , بل لن يحقق حتى حاضرا مزدهرا , ولابد ان
يكون على حساب التنمية وعلى حساب المبادئ , ان بناء كل مرحلة تاريخية يحتاج
الى تضحيات ابناء الامة والشعب , وان بناء هذه المرحلة لا زال بحاجة الى
تضحيات متوزانة مع معطيات الحاضر ومستلزماته من جيلنا الراهن , لكي يضمن
المستقبل لابنائه من بعده , ولكي يحقق اهدافه المنشودة في بناء المبادئ
التي اختارها لها طريقا خاصا . وبدلا ان يبذل البعثي جهده
في توعية الناس وافهامهم بضرورة الاقتصاد في النفقات , والاقلال من
الاستهلاك , يأتي الى الحزب ويقول ان السلع الاستهلاكية غير موجودة , كما
يريدها المواطن العراقي , اي مجردة عن التخطيط العلمي , فيجب ان نوفرها له
كما يريد, ناسيا ان هذا يقتضي منا ان ننفق اموالا فوق قدرة التحمل , لنجلب
بها البيض والدجاج واللحم والسلع الاستهلاكية الاخرى . فنشبع النزعة
الاستهلاكية غير مشروعة وغير محدودة عند المواطن .. وان ذلك يعني ان نهمل
التنمية . ونقبل بالوضع الراهن , دون تطويره تطويرا جديا بما يخدم اهدافنا
الاجتماعية . اذا استمرت الظواهر التي
نشير اليها دون توجيه صحيح , دون رقابة , دون حساب ولا عقاب .. ودون توعية
فأنها ستكون احد ابواب الردة .. كادت ان تحصل الردة في جيكو سلوفاكيا عام
1968 وبعد مرور عشرين سنة , رغم انها لا تعتبر ردة بمقياس وسط كبير في
جيكوسلوفاكيا , لكنها , بالمقياس السوفيتي , اعتبرت الردة , وكذلك تتذكرون
ما حدث في هنغاريا عام 1956 .. ان الهدف من هذه الاستشهادات هو ان نتعلم من
تجارب الاخرين , وكذلك من تجارب الشعب العربي وفي المقدمة ما حصل في مصر ,
بالرغم من ان الناصرية لم تحاول ان تجثث جذور اليمين , ولم تستطيع ان تفعل
ذلك بسبب وضعها الخاص , اذ انها لم تكن حزبا ثوريا . لقد كان جمال عبد
الناصر وطنيا قوميا , ولم يكن لديه حزبا ثوري , ولم يحاول ان يخلق مثل هذا
الحزب , لانه من الصعب , اذا لم يكن من المستحيل , ان يخلق الحزب الثوري في
ظل السلطة . نحن حزب ثوري مناضل , ومضى على بعض رفاقنا اكثر من عشرين سنة ,
ومع هذا نجد ان السلطة تخرب بعضهم بشكل جزئي او كلي , فكيف يكون الحال
بالنسبة لشخص او شخصين او ثلاثة , يحولون , وبعد ان يتسلموا السلطة , ان
يخلقوا حزبا ثوريا ؟ انها عملية شاقة , وشبه مستحيلة , ان لم نقل مستحيلة .ان الظواهر السلبية التي
اشرنا اليها يجب ان لا تنسينا الاخطاء الكبيرة المقصودة وغير المقصودة ,
التي تقود الى فقدان , او شحة المواد الاستهلاكية بدون مبرر موضوعي او
مبدئي , مما يستوجب معالجة مثل تلك الظواهر بطريق اخر . اما عن المجلس الوطني
وتصورنا لكيفية انبثاقه , ايها الرفاق , فليس عيبا اننا حينما نعطي اجتهادا
, ونكتشف فيما بعد انه بحاجة الى التصحيح , ان نعود فنقول ان اجتهادنا لم
يكن مرتبطا بتصور كاف. ان مسالة انبثاق المجلس
الوطني مرتبطة بفهمنا لكيفية تمثيل الشعب , المرتبط هو الاخر بمفهوم
الديمقراطية الشعبية . وهذه المسألة يجب ان ترتبط بالصيغ الناضجة والنهائية
ضمن المرحلة التاريخية للصيغ الحقيقة التي تعبر عن مفهوم الديمقراطية
الشعبية التي نؤمن بها وكصيغة من صيغ تمثيل الشعب , وعلى هذا الاساس يجري
النقاش في القيادة , وقد كلفنا بعض الرفاق ليعدوا وثيقة تستجيب لمفهوم
الارادة الديمقراطية لاجهزة الدولة , التي وردت في التقرير السياسي للمؤتمر
القطري الثامن . ان صيغ تمثيل الشعب يجب ان تتصل , بشكل او باخر ,
بمفهومنا للارادة الديمقراطية للدولة , والتي تكتسب الصورة اللازمة من
الرسوخ والدقة حتى الان . اذن قبل ان تنضج هذه الصيغ
كلها لن نعطي قرارات سريعة فيما يتعلق بالمجلس الوطني ، رغم اننا سبق ان
أعطينا بها رأية معلناً . وقد جمدنا تطبيقه الى ان تنضج هذه الصيغة عموما ،
كيما يكون قرارنا جزءا من عموم التصور المركزي المطلوب بناؤه وارساؤه ،
لبناء الدولة التي تستجيب لمبادئ حزب البعث العربي الاشتراكي .أحد الرفاق يقول بان هناك
عوائل غير عربية في بعض المناطق الحدودية . ومن هذه العوائل غير العربية
هناك اناس انضموا الى صفوف حزبنا ، فيسأل أفليس من المناسب ان نحدد مستواهم
في الحزب . بحيث لا نفسح أمامهم مجال الصعود ؟ اليس من المناسب ان نبقيهم
عند مرحلة الأنصار ، وعدم الارتقاء الى مستوى العضوية ؟هذا هو السؤال ، فنجيب
عليه اجابة مبدئية ، ثم ننتقل الى الجوانب العملية أيضا ونشير اليها ، انكم
ايها الرفاق تقعون في خطأ ، وتقع أحيانا معكم بالتأكيد عناصر واسعة من
المجتمع في خطأ ، حينما يقولون ان البعثي الفلاني سني ، لانه من عائلة سنية
، وفلان شيعي ، لانه من عائلة شيعية ، وفلان تركماني ، لانه من عائلة
تركمانية ، وفلان كردي ، لانه من عائلة كردية ، وهذا كله خطأ ، لان البعثي
بعثي ، فلا هو سني ولا هوشيعي ، ولا تركماني تعصبي ولا كردي تعصبي ، قوميته
التي تؤمن بها ، وبالنضال لتحقيق أهدافها عربية وتوجهه لمبادئ حزب البعث
العربي الاشتراكي ، ويصبح الانتماء القومي النهائي للجميع ، لان من يؤمن
بالقومية العربية لا بد له ان يؤمن باهدافها وبنضال الجماهير لتحقيق هذه
الاهداف ، وفي المقدمة منها حزبه الذي ينتمي اليه ، اما اذا ظلت عائلته على
ايمانها التعصبي ، فلا يعني هذا ان انتماءه هو كذلك ، اذن فيجب ان تنتبهوا
الى التعبيرات الخاطئة ، ويجب أن تصححوها داخل المجتمع .وعلى هذا الاساس ، فالذي
نقبل انتماءه للحزب اصبح بعثيا وقوميا عربيا ، ويجب ان نوفر له كل حقوق
العضوية ، عندما يصبح عضوا ، هذا من الناحية المبدئية، اما من الناحية
العملية فنطبق عليه مقياسنا وعرفنا الحزبي ، في معالجة الثغرات التي تحصل
في سلوكه ، كما نطبقها على اي حزبي اخر ، فنمنعه من الصعود عندما تكون لديه
ثغرات ، او عندما نحس ان ايمانه بالقومية العربية ما زال ضعيفا ، وهذا حق
مشروع وعمل ضروري ، تماما كما نمنع الصعود على حزبي من عائلة عربية ، توجد
ثغرات في سلوكه ، بما يتصل بايمانه الاشتراكي او القومي .وهذا مشروع ايضا ، اذ كيف
نريد ان نبني الاشتراكية اذا كان عضو قيادة الشعبة أو الفرقة وعضو القاعدة
لا يؤمن بالاشتراكية مثلا ! اذن ، فمن حقنا أن ننمي تقاليد العمل الثوري
ونحافظ عليها ، وحتى اثناء الانتخابات الحزبية ، فمن لا تنطبق عليه الشروط
تماما في ايمانه يجب ان تسد بوجهه فرص الصعود ، لكننا لا يجب ان نقبل قول
من يقول : ان فلانا من عائلة تركمانية او ايرانية او كردية .. مما يستوجب
ان تسد في وجهه فرص الصعود ..جوابا على سؤال احد الرفاق
: نقول سبق ان تكلمنا عن اسباب النقص في المواد الانشائية ، لكن يجب ان
يكون واضحا لديكم بانه لا يمكن ان توجد تنمية سريعة في هذه المرحلة ، ويوجد
الرفاه في الوقت نفسه ، في كل جوانبه ، وهذا ما يحصل في كل العالم ، ففي
اي بلد حدثت فيه تنمية ، او ستحدث ، لا بد ان يكون هناك نقصا ما في المواد
الاستهلاكية والانشائية ، فيما يتعلق بحاجة الفرد اليومية ، لانه اذا كان
يتحتم علينا ان لا نبدأ بالتنمية الا اذا وفرنا للفرد حاجاته اليومية كما
يريد ، فستتعطل التنمية سنيين طويلة .. بالاضافة الى ان الامور متصلة
ببعضها ، فعندما توجد التنمية يعني حصول نتائج ايجابية في الاقتصاد ،
ومكاسب جديدة لصالح الفرد . اما اذا لم توجد التنمية ، فهذا معناه ان تظل
مواردنا محدودة ومعرضة الى المخاطر ، ومعرضة الى النفاد .أحد الرفاق يشير الى التوسع الافقي للحزب . ويقول بضرورة ايجاد
موازنة بين التوسع الافقي والقدرة على الاستيعاب .. ونحب هنا ان نشير الى
ملاحظات سريعة فنقول : أننا الان في جو الجبهه لا يمكن ان نقفل الابواب
بوجه الكسب . فلو أننا هنا حزب منفرد ولا وجود للجبهة ، لكان تحكمنا اقوى
في حجم الكسب المتوازن مع القدرة والاستيعاب ، أي قدرة الحزب على التطوير
الكسب الجديد .لكننا الان امام صيغة الجبهه ، وامام صيغة التنافس الديمقراطي ، فلا نستطيع ان نوصد ابواب الكسب .. لان الذي يأتي الينا ولا نقبله قد
يذهب الى الاحزاب الاخرى المنافسة ، او قد ينحرف في طريق خطر وينطلق من
مواقع الحقد على حزب البعث العربي الاشتراكي ، لكونه رفض قبوله ، اذن وامام
هذه الصورة كيف نحكم الموازنة؟ليس المطلوب مجرد القول بوجوب أن تكون هناك موازنة وانما يجب ان نقول
كيف تكون الموازنة ؟ وأهم نقطة اساسية للموازنة يجب ان يستخدمها الحزب
الثوري امام المخاطر الان وفي المتسقبل ، هي اعداد المفاصل الحيوية في
الحزب اعدادا انتقائيا خاصا ، كيما تبقى قدرتها في التاثير وقدرتها في
المبادرة ، وحتى قدرتها على تطهير الحزب من الشوائب ، عالية ، اما ان نتصور
اننا سوف ننتقي ضمن اسس دقيقة ، ابتداءا من ابسط خلايا العمل الحزبي الى
أعلى حلقاته وقد اصبح عدد المنتمين نصف مليون، فأننا نكون على خطأ .اما النقطة الثانية ، فهي التركيزعلى التثقيف والتحصين المبدئيين
والتركيز على الامتحان ، اي زج الحزب في المعارك ، وفي التطبيق الجدي
والسريع للمبادئ ، مع حساب دقيق للزمن والامكانيات والظروف ، لكي نقوي
الحصانة المبدئية ، ونجعل مواقع التأثير المضادة في المجتمع ، على الحزب
قليلة وغير مؤذية ، لجوهره الاساسي . لذا فنحن غير قادرين ، لهذا السبب
السياسي الذي أشرنا اليه ، ان نوصد أبواب حزبنا ، ونحدد الكسب مثلما نريد ،
كما لو أننا كنا حزبا منفردا ، وليس حزبا يقود الجبهة.