تشكل الممارسة الدايمقراطية منطلقا مبدئيا , يعبر عن نهج الحزب الثابت وتصوراته
العقائدية , التي تأخذ مميزاتها الاساسية من خصوصية الفكر البعثي ,
والتطبيقات العملية المستمدة منه , وهي , بهذا النهج , تجسد اصالة النظرة
المبدئية والتعبير عن ضمير الشعب وارادته الحقيقة , في اطار الفهم الثوري
السليم , الذي يتجنب في حساباته مزالق الوقوع في اوهام التصورات الليبرالية
, ويحدد افاق هذه الممارسة , في دوربها الصحيحة الواعية .ولمل
كانت الدايمقراطية , في عرف حزب البعث العربي الاشتراكي , ذات ارضية ثورية
محددة , تستمد صفاتها من التلازم مع فكرنا الاشتراكي في خصوصية البعثية ,
فانها تفجر , بذلك طاقات المواطن والجماهير , وتحرر مكوناتها الدفينة التي
يسحقها الكبت والحرمان والخوف والتردد… وهذا التحريك الفعال لقدرة المواطن
والمجتمع يجعل الزخم الثوري لهما ذا قوة عظيمة , في مسار العملية الثورية
وقضية تطورها , وان ابقاء مصادر القلق والفزع في حياة المواطن والشعب ,
كشبح يهدد حياتهما ومستقبلهما , يعني اختزال قوة المواطن والمجتمع الى
اقصى ما يمكن , وتحويلها الى اضعف حالة ممكنة .والدايمقراطية
الشعبية , بهذا الفهم , ذات صلة وثيقة وكبيرة بالراي العام , لان احترامه
والاهتمام به , مع كونه منهجا ذا فروض مبدئية وقواعد , يستند في الاساس الى
اصول الخضوع لارادة الشعب واحترام قيمة الانسان …كما ان شكل الخارطة
السياسية في القطر ووجود احزاب تتسابق على كسب هذا الرأي , وكذلك المسؤولية
القومية للحزب بحكم تنظيمه القومي وتطلعاته التي تمتد على الساحة
الجغرافية للوطن العربي بامتداد اهدافه , يدعونا الى مزيد من الاهتمام
بالرأي العام . ان احترام رأي الاسنسان على الطريق الذي نقود فيه , وليس
الطريق الذي ننساق اليه , بالاضافة الى كونه واجبا مبديئا فهو ضرورة ,
عملية وسياسية ملحة … لان التوجه والتطور العام الحاصل في العالم هو توجه
وتطور لصالح الدايمقراطية , ومن الطبيعي ان تتطور الامور بهذا الاتجاه ,
لان التواصل بالحياة العامة للناس , واحترام رأي الشعب صار ملموسا , ويمثل
اهتماما متزايدا منة عموم شعوب العالم , ومنه تستمد السلطات مشروعيتها .لقد اصبح
المواطن يطل من نوافذ شتى على ثقافة العالم واعلامه , فهو الان يستطيع ان
يستقبل اية اذاعة من خلال ( الراديو ) , وبعد فترة , سيكون بمقدوره
انسياقا لتطور التقنية والعلم , ان يسمع ويشاهد ويطلع , من خلال التلفزيون ,
على الحياة الاجتماعية والسياسية للعالم من خلال النقل المباشر , فأن
المواطن سوف يتعلم على نطاق واسع , وسوف تزداد تطلعات ان الممارسة
الدايمقراطية يجب ان تكون جزءا من نهجها بشكل دائم , لانها ركن اساس في
عقيدة حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي , التي تقوم على اساس اعتبار
الانسان قيمة عليا , وليس القيمة العليا , لان حاصل القيمة العليا ليس
الانسان وحده ككيان مستقل , وانما هو كل الاهداف المركزية المتفاعلة ,
والتي يسعى حزبنا اليها .الا ان
الانسان , ضمن الاهداف المركزية , هو قيمة عليا , من بين القيم العليا
الكبيرة الاخرى , لذا ينبغي احترام الانسان , اذ يحدث احيانا ان يستهان به .
وعلى العموم فان الاقل وعيا ودرجة في الحزب , تصبح احتمالات استهانتهم
بالاخرين متوقعة اكثر من الاعلى موقعا والاكثر وعيا . لهذا فان
النتائج التي ظهرت في انتخابات المحامين استوجبت ان ندرك بأننا لو اعطينا –
في هذا الوسط – (( ديمقراطية لبيرالية )), بمعنى ان نسمح للجميع – بما في
ذلك المعادون للثورة , طبقيا وسياسيا وفكريا – او اعطينا (( دايمقراطية
بعثية )) , اي دايمقراطية الشعبية , بأن نسمح لقوى الثورة وحدها – بعثيين
وغير بعثيين – بأن يجربوا حظهم , مع حضور الدور القيلدي والتوجيهي للحزب …
ففي تصوري , ان هذه القائمة التي نطلع عليها من الفائزين بانتخابات
المحامين , ما كانت لتفوز في (( الدايمقراطيتين )) . ان النتجية التي ظهرت
الان , حسب معلوماتي واستنتاجاتي , من خلال التقرير الذي اطلعنا عليه , هي
ان هذه القائمة كانت ستهزم , وتفوز بدلها قائمة اخرى , سواء تكونت من
البعثين فحسب او منهم ومن غيرهم , من اناس يحبون الثورة ويؤيدون المسيرة ,
ولكنهم , على اية حال , ليسوا هؤلاء الاشخاص الذين فازوا , وهذا يعني ان
لدينا خللا في موقعين : احدهما في الاختيار البشر بنمط جدي , كتعبير حقيقي
عن ضمير الشعب , ويفترض – الان وبعد ان وصلنا الى هذه المرحلة , وبعد ان
قطعنا عشر سنوات من مسيرة الثورة – ان نضيق الفواصل بين البعثي وغير البعثي
, لغرض تولي المسؤوليات , وعلى الاخص المسؤوليات غير القيادية , في مفاصل
المجتمع او الدولة لهذه المرحلة , مراعين , في التطبيق العملي , طبيعة كل
مرحلة وخصوصياتها بخط متصاعد , لتطبيق كامل حقوق الدايمقراطية كما نفهمها ,
وان نضيق كذلك المسافة , فلا تظل واسعة في موضوع تقيم الاخلاص للوطن
وللثورة , كمؤشر جدي على الوطن المتحرر ,والشعب المتحرر , والمجتمع
المتحرر.اما اذا
كان ما يزال هناك خلل في هذا المجال , وان الفاصلة ما زالت واسعة , بين
البعثي في اخلاصه لها , كما كانت في عام 1970 , فأن هذا يعني اننا لم نحقق
الاندماج والتلاحم الحيوي مع الشعب .ان
التعبير عن الاخلاص , بصيغ اكثر دقة و هو من سمات البعثي , لذا فان البعثي
في تنافسه مع ابن الشعب لا يتنافس واياه على الاخلاص , بمفهومه العام
وتعبيراته العامة و باعتبار انه , بعد فترة من الزمن , وربما لم نصلها الان
,وقد نصلها بعد خمس سنوات مثلا , لن يكون هناك كثر من المواطنين اعداء
طبقيون للثورة واعداء للثورة واعداء رجعيون بالافكار لها , وكذلك سيتقلص
الاعداء السياسيون ايضا ويصبحون غير ذوي شأن … وبذلك تتوفر الظروف المناسبة
لكي يكون الشعب متساويا في الاخلاص العام , وفي اسس الاخلاص العام مع
البعثين . اما البعثي فانه يتقدم على المواطن في قدرة التعبير عن الاخلاص
بدقة اكثر … وعندما يكون البعثي , بحكم اعداده الخاص وتربيته الخاصة ,
متقدما على المواطن في القدرة فانه سيكون متقدما , تبعا لذلك عليه في
التعبير عن الاخلاص بتفاصيل العمل اليومي المبرمج , وعليه فانه في عملية
التنافس على الاخلاص وقدرة ودقة التعبير عنه , كأساس لتقدم المرء الى امام ,
وسوف يتقدم على المواطن في امتلاكه لشروط الاختيار الصحيح للمواقع
القيادية في المجتمع وفي الدولة . ومن ةهذه الحقيقة , يقتضي الامر ان نسعى
ويسعى رفاقنا الى تطوير انفسهم , من الناحية العملية , ومن ناحية
الامكانيات , لكي يتنافسوا مع المجتمع الذي هو منا ، ويتنافسوا مع المواطن
الذي هو ابن الثورة ايضا ً ، باطار ووفق أسس مشروعة ، وأن نسقط التنافس غير
المشروع ، المتأتي من خلال موقعين غير متساويين في الفرص ، إذ تمنح الفرصة
للبعثي لمجرد صفته الحزبية ، بينما تحجب عن المواطن ، لذلك فان المطلوب هو
أن يصبح المقياس الجديد أن ينتزع فرصته انتزاعا ً، من خلال مؤهلاته
المتفوقة في الكفاءة وفي قدرة الاداء الدقيق ، في تفاصيل العمل اليومي ،
تعبيرا عن الاخلاص لنهج الثورة وواجبات العمل في خدمة الوطن والشعب ، وليس
من خلال منحه الفرصة بالتميز عن المواطنيين ، دون مراعاة للكفاءة وحسن
الاداء .فعندما
تكون هناك فرصة ، والطريق إليها ذو شقين ، أحدهما ملئ بالعوائق والعراقيل ،
والآخر مستقيم وممهد ، ويكون نصيب البعثي الطريق المستقيم والممهد ، بينما
يكون نصيب ابن الشعب الطريق الآخر ، فسيتقدم البعثي للوصول لتلك الفرصة ،
بينما يتأخر المواطن . . وعندها فإن البعثي لا يتقدم في الوصول الى موقع ما
، كتعبير عن قدرته الذاتية (( الفنية الثورية )) في التعبير الأقوى والأدق
عن اخلاصه للثورة والحزب ، وانما يتقدم لأنه بعثي فحسب ، مع تساوي الاخلاص
في الشروط العامه بينه وبين المواطن ، وعدم وجود أرجحية في الشروط الخاصة
(( الفنية الثورية )) لصالحه .
وحالة من هذا النوع توجد انفصاما ً نفسياً في علاقة الشعب مع الحزب والثورة
وقيادتهما .لأن الشعب عندما يرى انه مخلص للثورة ومحب ومحب للحزب ومحب
لقيادة الحزب ، وملتزم بنهج الثورة ، ويرى ان قدرته في التعبير عن منهجية
الثورة أعلى من قدرة البعثي الذي تقدم عليه ، ومع كل ذلك تمنح الفرصة
للبعثي ويتقدم عليه ، وذلك كونه بعثيا حسب ، وليس لكونه أقدر منه ، من
الناحية الثورية والفنية ، في التعبير عن الاخلاص بمنهجية ووتيرة أعلى وأدق
،فإن صورة من هذا النوع ستحز في نفس أبناء الشعب ، وستبعدهم عن ثورتهم
وحزبهم .والموقع
الأخر الذي نخسر منه ، إذا ما استمرت هذه الحالة ، هو ان ابن الشعب ، عندما
يصطدم بهذه الحقيقة ، ويرى انها جاثمة على صدره فسيجد نفسه منساقاً لأن
يقف ضد الثورة ، وينزلق الى الخندق المقابل ، حيث يكمن أعداء الشعب والثورة
، وهو ، في الأساس ، ليس ضد الثورة ، ولكنه ضد التعبير غير الأصيل عنها ،
من خلال الشخوص الذين يراهم ، والذين يعبرون تعبيراً شيئاً عن مسيرتها ،
والذين لا يشكلون نموذجاً أصيلاً لها .ونحن ،
كما ذكرت ، في عصر تقدم الديمقراطية وانتشارها في العالم . . وهذا ما يفسر
استخدام الأمريكان مسألة الحريات الديمقراطية ضد الاتحاد السوفيتي والدول
الاشتراكية . . من خلال شعار حقوق الانسان والحرية والانسانية
ورغم انهم في سياساتهم العامة ، داخل وخارج بلدانهم ، يواجهون امضى
الطعنات للحريات الديمقراطية وحقوق الانسان كما نفهمها . . وانسياقاً مع
المنهج الصحيح الذي بيناه ، فإن النقطة المركزية الاخرى التي تحتاج الى
سياقات صحيحة في العمل والفهم ، هي مراعاة الدقة والعدالة في من نختار من
بين المخلصين للثورة من ابناء الشعب ، المتساويين في شروط الاخلاص العام ،
ومن بين البعثيين كذلك؟ ومن هي العناصر الأقدر في التعبير عن الثورة وعن
الحزب ؟ قد نجد ، مثلاً ، عشرة بعثيين يطرحون للاختيار أمامنا في قضية ما ،
كلهم متساوون في الاخلاص في شروطه العامة ، ومع ذلك نجد حالات قد يجري
فيها اختيار الذي تنطبق عليه ثلاث نقاط قدرة التعبير عن الثورة ويحجب
الاختيار عن واحد تنطبق عليه عشرة نقاط من البعثيين ، وقد يجري اختيار واحد
من بين عدد من المواطنيين المتساوين في شروط الاخلاص العامة ، وليس لصالحه
سوى نقطتين من شروط المؤهلات الخاصة ، بينما يترك آخر تنطبق عليه اثنتا
عشرة نقطة لصالحه ، في أن يكون هو الأصلح والأقدر على التعبير عن الثورة
والحزب . فالاختيار في مثل هذه الحالة يكون مزاجياً وشخصياً ، أكثر مما هو
تعبير عن منهجية الثورة وأُسسها في العدالة . وهذا يجعلنا نخسر الشعب ،
الذي هو منا ، من الذين يريدون أن يكونوا جزءاً ملتصقاً بجلدنا ، ويريدون
أن يكونوا جلد الثورة ووسيلتها في التغير الثوري الحاسم . ويلحق أذى جدياً
بمعنويات بعض البعثيين ويهز صورة المبادئ لديهم . . ان تجاوز ومعالجة مثل
هذه الظواهر الضارة ، التي تبرز في مسيرتنا الثورية يقتضي منا أن نساوي بين
البعثيين ، وان نعبر عن الديمقراطية بقدرة عالية في الاختيار الصحيح ،
وبفرص متساوية . هذا يستوجب ان نتبع في الحزب منهجاً جديداً ، من أبرز
معالجاته الابتعاد عن اكمال ملاكات القيادات والمكاتب الحزبية عن طريق
التعيين ، ما أمكن ذلك ، والحرص على أن لا تطول فترة الانتخابات لغير
القيادة العليا ، مما لا يستوجب أن نكمل ملاكات النقص أو الاستجابة للتوسع
في الملاكات عن طريق التعيين ، إذ ان التعيين من شأنه ان يجعل الكثيير من
الاختيارات يقع تحت ثقل المزاج الشخصي والاعتبارات الذاتية . وحالة من هذا
النوع تربي الانتهازية والشللية داخل الحزب .فأعضاء
الشعب ، عندما يمارسون عملية اختيار ممثليهم وفق أُسس ديمقراطية ، كل سنتين
، أو كلما حصل نقص في الملاك ، اختياراً حراً ، فإن حماسهم في نقد الأخطاء
وفي البناء سيزداد ، وبذلك ينحتون مستقبلهم عن طريق أخلاصهم لمبادئ الحزب
وتقاليده , وعن طريق قدراتهم الذاتية ..لكنهم
عندما يرون بأن مصيرهم مرتبط برضا عضو الفرع , او اعضاء الفروع عنهم رضا
شخصيا مباشرا فانهم عندئذ سيضطرون لان يستخدموا اساليب شتى في الفوز بهذا
الرضا بطريق خاطئ .وكذلك
المسألة بالنسبة للشعب , فعندما نفرز مائة الف مواطن ونتفق على اخلاصهم
العام جميعا للثورة متساو , ونحن نريد ( خمسة ) منهم للهئية الادارية
النقابة المعلمين , مثلا , او المحامين, فيجب الا نلقي ثقل الحزب , بشكا
تعسفي , الى جانب اربعة او خمسة افراد باختيارات شخصية , ونهمل الباقين من
المواطنين ، وبشكل نساهم فيه في تهيئة جو الانفصام النفسي بينهم وبين
الثورة . وانما يجب ان ننطلق من اعتبار انهم جميعاً مخلصون للثورة ، مما
يستوجب ان نطلب منهم ونعاونهم على اختيار العدد المطلوب من بينهم للغرض
الفلاني اختياراً ديمقراطياً من البعثيين وغير البعثيين . . واننا بذلك
سنكسب المائة الف مواطن ، ونربي الناس على ممارسة الديمقراطية والحماس
لمبادئ الثورة في ظل الدور القيادي للحزب .انني أحس
بالضيق عندما ينافس احد حزب البعث العربي الاشتراكي , وفق الطريقة التي
جرت في نقابة المحامين .. لان مثل هذه المنافسة ستكون مقدمة ليست هينة ,
وستبرز تيارات للمناداة بممارسة الدايمقراطية خارج اطار دور القيادي للحزب ,
بشكل الذي يجعل الاخرين في المجتمع , سواء قوى اجتماعية , او منظمات
سياسية مضادة , يدعون الى ان يقودوا فعلا عملية الممارسة الدايمقراطية ,
وبما يخرجها عن اطارها الصحيح , وخارج اطار الدور القيادي والتوجيهي لحزب
البعث العربي الاشتراكي , وامام هذه الحالة ارى ان تولي القيادة اهتماما
خاصا لهذه القضية في منهجها , وفي التعبير عنه من خلال الرقابة عالية ,
لتحقيق الدايمقراطية الشعبية عن طريق الحزب … اي عن طريق الدور القيادي
للحزب , ووفق المنهج الذي يضعه , وليس خارجا عن ذلك , لكي لا تنمو التيارات
المنحرفة في مواجهة الحالة التزمت والخلل في ممارسة الدايمقراطية الشعبية
اللبيرالية … وبذلك تمون ممارسة من هذا النوع احد اغطية مضدات الثورة .ان انور
السادات لم يعط شيئا ذا قيمة حقيقة للشعب المصري بعد توليه للسلطة وانما
طبق نمطا من الدايمقراطية اللبيرالية , بديلا عن الفردية . فلو طبق عبد
الناصر الدايمقراطية الشعبية لما استطاع السادات ان يعطي شيئا للشعب المصري
على طريق الدايمقراطية , ولو ان عبد الناصر جعل ( 95%) او اي نسبة جدية
تعبر عن اغلبية الشعب المصري تمارس الدايمقراطية الشعبية بدوره القيادي هو
لاصبح بذلك ( 5%) هم المحرومين من ممارسة الدايمقراطية , لانهم معادون
للثورة المصرية , ولانهم ان يمارسوا الدايمقراطية في ظل الفهم اللبيرالي
لها . وعندما يموت عبد الناصر فأن ال(5%) سيصطدمون ب( 95%) من الشعب , وبما
يجعلهم غير قادرين على طرح منهج او دعوة للانحراف او بما يؤدي اليهما .لكن الذي
حصل هو انو الشعب كله , عندما يكون محروما من ممارسة الدايمقراطية اصبح
ال( 5%) هم الاكثرامكانية , والاكثر قدرة في التعبير عن نهجهم الذي يؤمنون
به , لانهم منظمون من ناحية الترابط المصلحي , ولان امكاناتهم اقدر على
الفعل , نظرا لامتلاكهم وسائل التأثير المادية , وبذلك اثر اولئك ال(5%)
على نسبة لا يستهان بها من ال ( 95%) الاخرين من الشعب , وشكلوا غطاءا
لانحرافات النظام المصري , بعد عهد عبد الناصر . وعليه ,
وتحسبا لاحتمالالت مماثلة لما جرى في مصر , فأن الامر يستدعي ان لا نجعل
اي نسبة جدية من شعبنا تشع بأنها محرومة من ممارسة الدايمقراطية واحقوق
المركزية المشروعة الاخرى , وبما يقوي ويعمق تقاليد العمل الثوري
الدايمقراطي , ويجعلها سدا جديا بوجه الانحرافات واغطية الردة , ويزيد من
اعتزاز شعبنا بحزبه العظيم .. وعندها سوف تنعدم فرصة ان يخرج اي نهجمن داخل
الحزب , او من خارجه , في يوم من الايام ليرفع شعارا منحرفا , يستقطب به
الغالبية المحرومة من الممارسة الدايمقراطية , او اي حقوق اخرى , ويستخدم
غطاءا للنوايا والنهج المنحرف … فعندما يكون الامر متعلقا بالفلاحين
واختيار ممثليهم .. مثلا , فلر افترضنا اننا نريد عشرة بعثيين من اصل 15
عضوا من اعضاء المكتب التفيذي للاتحاد العام للجمعيات الفلاحية , ولنفرض ان
التكوين الحالي يضم خمسة منهم من ابناء الشعب غير المنظمين في الحزب ,
والعشرة الباقون منظمون في الحزب , فهؤلاء العشرة يجب ان يختارهم الحزب في
القطاع الفلاحي اختيارا دايمقراطيا , بتوجيه القيادة , ووفق الصيغة التي
تراها مناسبة ..وبعد ذلك
, تطرح اسماؤهم للتنافس مع زملائهم الاخرين في المؤتمرات الفلاحية المعنية
, بدلا من الخضوع للاختيار الذي تلعب به الحسابات والدوافع الذاتية دوراً
أساساً ، كأن يؤتي بفلان أو (( علان )) الى المواقع القيادية للمنظمات
الشعبية . ولكن هل يعبر النهج المعمول به الآن في اختيار ممثلي المنظمات
الشعبية من الحزبيين وغير الحزبيين عن خلفيات عقول المؤتمرين ، كما هو في
النهج الديمقراطي الأصيل تماماً وبدقة ؟ .والجواب:
كلا ، فالواقع ان الممارسات الخاطئة وعلى النمط الذي جرى في انتخابات
المحامين . . يجري في مجالات العمال والفلاحين والطلبة والنساء وغيرهم ،
وينعكس مثل هذا الاسلوب داخل الحزب كذلك ، في الوقت الذي يمارس خارجه ،
ولكن بنسب متفاوتة في الخطأ ، لذلك فإن الاسلوب الصحيح هو أن نطلب من
الفلاحين بطريقة ديمقراطية ، نضع نحن أُسسها أن يختاروا من يمثلهم ، ويعزل
من الاختيار من كان على موقفه علامة استفهام ، ومن شمله الاصلاح الزراعي . .
فهذه هي
الطريقة الديمقراطية الشعبية ،أي عزل تأثيرات الناس المعادين للثورة ،
طبقياً ، وفي مواقفهم ونزعاتهم السياسية والفكرية ، وفق صيغ وأساليب محددة
ومناسبة ، ونترك أبناء الثورة يمارسون الديمقراطية وفق الأسس المركزية التي
تضعها القيادة كتعبير عن ذلك . . لكن هذا لا يحصل عملياً وبنفس الدقة التي
أشرنا إليها ، فما الذي يحصل ؟ الذي يحصل اننا نمارس الديمقراطية فعلاً ،
لكن لا نمارسها بأطارها الدقيق والصحيح والجدي والشمولي .ان
ممارسة الديمقراطية الشعبية وفق الأساليب الصحيحة ستهيئ لنا فرص استخدام
المركزية بأدق صورها ضد الانحرافات ، اننا لا نريد من ممارسة الديمقراطية
الشعبية منهجاً مائعاً للانفلات ، وانما نريد أن نهيئ بها ، ومن خلالها
وبالاضافة الى الاعتبارات الاخرى ، وبإرادة حديدية ، عندما يحدث اي شطط . .
وعند ذلك لا تبقى هناك فرصة للمشتط ، بعد أن أعطى كل حقوقه ، ولم يؤد
واجباته اداءً دقيقاً ، ففي تلك الحالة يكون لكل منا الحق في أن يضرب ، بيد
من حديد ، على الناس الذين يخرجون على المنهجية التي وضعتها قيادة الحزب ،
أو المستويات الاخرى المخولة بذلك . . ولكن عندما تكون المنهجية مرتجة ،
وتأخذ التعبيرات والنزعات الذاتية دورها من خلالها ، فإن النوازع الخيرة
والنوازع الشريرة ستختلط بالشكل الذي يجعل أصحاب النوازع الشريرة يغطون
انفسهم بلافتات ، ظاهرها يعبر عن نوايا خيرة ، وخفاياها تستهدف إلحاق الشر
والأذى بالثورة .هذا هو
الذي أردت أن أقوله حول نتائج انتخابات نقابة المحامين ، وأنا لا أعتقد أن
مثل هذا الخلل موجود في صفوف المحامين وحدهم ، كما قلت ، وانما هو موجود في
صفوف كل أو أغلب منظماتنا الشعبية والجماهيرية ، وبدرجات متفاوتة ، ولكنه
برز الآن في صفوف المحامين أكثر من غيرهم ، لاعتبارات معروفة ، أهمها ان
هذا الوسط تكثر فيه العناصر اليمينية ، وكذلك تنشط فيه العناصر التي تسعى
لممارسة الديمقراطية الصحيحة أو الليبرالية ، وهي قادرة على ايصال صوتها
إلينا ، بأساليب فعالة أكثر من غيرها .علينا أن
نفهم ونتصرف على أساس ان الوسائل التي استخدمناها لتقوية وترويج المركزية ،
من اجل مواجهة أعداء الثورة ، وتركيز الدور القيادي للحزب في السنوات
المنصرمة من مسيرة الثورة لا يجوز أن تستمر على حالها ، واننا يجب ان نعرف ،
بدقة ، التطور الذي أحرزته الثورة في مسيرتها ، وما يستلزمه ذلك من تطوير
وتطويع للأساليب والصيغ بموجب الظروف والحالة الجديدة ، دونما تفريط
بالتوازن الصحيح بين المركزية والديمقراطية ، وحساب المستجدات من الظروف في
كل مرحلة من مراحل نضالنا ، بروح ثورية وعقل علمي ، ودون اخلال في النظرة
والخلط في التصرف بين المعاملة المطلوبة مع الشعب ، وأهمية استمرار الحذر
وسياسة العصا الغليظة مع أعداء الشعب ، على اننا يجب ان نتجنب ، في كافة
الاحوال ، جعل الظواهر والقضايا الظرفية قوانين عامة للثورة والمجتمع .