ما لايعرفه الناطقون بالعربية عن حقيقة حقيقة ماجرى في حلبجة العراقية :حقائق خطيرة

المقدمة

سمعنا
أبان إحتلال القوات العراقية للكويت عام 1990 بقضية حاضنات الأطفال حين
إدعى كويتيون أن النظام العراقي قد سرق تلك الحاضنات من المستشفيات عند
إحتلاله للكويت مما أدى لوفاة الأطفال الرضع الذين كانوا يعالجون بها، ثم
تبين أن الفتاة التي صرحت بتلك المعلومات للجنة في الكونغرس الأمريكي
والدموع تتساقط من عينيها والتي إنقلبت على أثرها الدنيا ولم تقعد لم تكن
إلا “نيره” إبنة سعود ناصر الصباح السفير الكويتي في واشنطن التي لم تكن في
الكويت حينذاك على الإطلاق. كما ثبت بعدئذ أن هذه المسرحية
كانت من إخراج ونسج خيال شركة علاقات عامة أمريكية هي “هيل و نولتن” التي
دفع لها الكويتيون مليون دولار شهرياً من أجل تأليب المجتمع الدولي،
والأمريكي بالذات، على النظام العراقي. تلك الحادثة تراودني كلما فكرت
بتداعيات أحداث حلبجه عام 1988 وما جرى فيها من قتل لمواطنيها والتي أصبحت
فيما بعد، وخصوصاً بعد ماسمي بحرب تحرير الكويت، عنواناً إستخدمه ويستخدمه
القادة السياسيون الأكراد لتنفيذ مآربهم في الإنفصال عن العراق. فقد
أصبح واضحاً الآن وبما لا يقبل الشك أن القادة الأكراد ومن خلال شبكة
واسعة في أوربا وأمريكا وبمساعدة المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي
قد وظفوا أيضا شركات متخصصة بالعلاقات العامة لتضخيم وتحريف حقيقة ما جرى
في حلبجه ذلك العام. قبل أكثر من ثلاثة أعوام سألني صديق أمريكي
إسمه جود وانسكي Jude Wanniski عن حقيقة ما جرى في حلبجه وما حدث بعدها
عام 1988، وذلك نظراً لما كان الرجل يقرأه من أنباء متضاربة عن حقيقة ما
جرى هناك والتي كانت تنشرها ولحد الآن أجهزة الإعلام الغربية والأمريكية
منها بوجه خاص. والسبب في سؤاله ذلك هو أنه كان من كبار رجال الإعلام
الأمريكان. حيث كان يشغل منصب مساعد رئيس تحرير صحيفة وول ستريت
جورنالWall Street Journal الأمريكية الشهيرة، وعمل بعدها مستشاراً
إقتصادياً للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان. بعد ذلك، ولحد الآن، ترأس
شركة إستشارات إقتصادية/سياسية خاصة تتمتع بموقع متميز وذلك لما له من خبرة
إقتصادية وسياسية جعلته متفوقاً على الكثيرين من أقرانه العاملين في هذا
المجال. ولكون وانسكي إستمر بالكتابة عن قضايا الساعة الساخنة، فقد كانت
إهتماماته بما كتب ويكتب عن حلبجه تؤرقه لما في الموضوع من فجوات لم يجد
الإجابة عليها في ذلك الحين رغم كل ما إطلع عليه مما نشر حول الموضوع.
وفي ذلك الوقت كانت أسئلته التي وجهها لي عن هذا الموضوع تجعلني في
حيرة من أمري لأني لم أكن أيضاً ملماً بالكثير من المعلومات عن هذه القضية،
خصوصاً وأني مقيم في إحدى الدول الأوربية وبعيد عن موقع الأحداث في
العراق، ولم أستطع في حينه أن أزوده بمعلومات قاطعة عن حقيقة أشياء كثيرة
تخص هذا الموضوع كنت أجهلها آنذاك. وكانت هذه مناسبه بدأت معها
رحلتي مع هذا الإعلامي والسياسي البارز في سبر أغوار كل ما نشر عن قضية
حلبجه، ولم يفتنا في ذلك حتى الإطلاع على أبسط الأخبار والمعلومات سواء
التي نشرت حول الموضوع في وسائل الإعلام الغربية، الأمريكية منها
والأوربية، أو لدراستنا المعمقة لآلاف الوثائق التي حصلنا عليها من هنا
وهناك. كما وإستطعت شخصياً الإتصال بأصدقاء وأقارب لي في العراق كانوا
ضباطاً في الجيش العراقي طيلة الحرب العراقية الإيرانية، ومنهم ضباطاً
كانوا على معرفة وثيقة بما جرى في تلك الفتره في حلبجه لقربهم من مواقع
الحدث. وطيلة حوالي ثلاثة أعوام من البحث والتمحيص إستخدم
وانسكي المعلومات التي توصلنا إليها، إضافة إلى إتصالاته الشخصية بمسؤولين
أمريكان كانوا في مواقع مهمة تؤهلهم الإطلاع على وثائق سرية للغاية حول ما
جرى في العراق، في كتابة عدة مقالات أدهشت محتوياتها كل الساسة ورجال
الإعلام الأمريكان وحتى مسؤولي البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، ذلك لأن
المعلومات الموثقة التي نشرها وانسكي لا يمكن لأحد إلا أن يعترف بصدقيتها
وحقيقة وقوعها. وهذا الملف يحتوي على كل ما كتبه وانسكي عن الموضوع إضافة
لمعلومات وثائقية أخرى جمعتها من مصادر عديدة ومن إتصالاتي الشخصية بأشخاص
لديهم الكثير من المعلومات التي لا تتوفر للمواطن العادي. لا بد
لي أولاً من أن أضع النقاط على الحروف حول الكيفية التي عمل فيها الأكراد
على تحريف حقيقة ما حدث في حلبجه عام 1988 وكيف سوقوا لها في الإعلام
الغربي والأمريكي بالذات وبمساعدة الموساد الإسرائيلي واللوبي الصهيوني في
الولايات المتحدة الأمريكية. البداية في عام 1993
تأسست في تل أبيب منظمة صهيونية بإسم جامعة الصداقة الإسرائيلية الكردية
Israeli Kurdish Friendship League التي يرأسها الصهيوني اليهودي الكردي
(أصلاً من مدينة زاخو العراقية) موتي زاكن Moti Zaken الذي عمل كمستشار
لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين ناتنياهو للشؤون العربية (تصوروا !!! كردي
يعمل مستشار الشؤون العربية لرئيس وزراء إسرائيل)، والذي تربطه أيضاً علاقة
وثيقة باللوبي الصهيوني الأمريكي. وأثناء عمله مع بنيامين
ناتنياهو الذي أصبح رئيساً لوزراء إسرائيل في عام 1996 تم في ذلك العام
تشكيل مؤسسة في واشنطن تحمل إسم معهد واشنطن للأكرادWashington Kurdish
Institute والذي أسسه، بمساعدة مالية وإشراف من الموساد، الصهيوني مايك
أميتاي Mike Amitayإبن الصهيوني المعروف موريس أميتاي Morris Amitay الذي
عمل كمشرّع أقدم في الكونغرس الأمريكي وعضو اللوبي للجنة الشؤون العامة
الإسرائيلية الأمريكية المؤثرة ومستشار لمركز فرانك جافني للسياسة الأمنية
ونائب الرئيس السابق للمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي (مؤسسة صهيونية في
الولايات المتحدة تتولى الدفاع عن حزب الليكود الإسرائيلي وتتخصص في
التعاون المشترك بين كبار ضباط الجيش الأمريكي ونظراءهم في القوات المسلحة
الإسرائيلية). ومن أعضاء المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي
المعروفين هم كل من ديك تشيني، جون بولتون، دوغلاس فيث و ريتشارد بيرل. كما
أن أميتاي أيضاً عضو مهم في الجناح المؤيد لنزعة اليمين الأمريكي المتطرف
(المحافظين الجدد) الذين يدافعون عن التدخل الأمريكي الواسع والمباشر في
الشرق الأوسط. ويشرف على معهد واشنطن للأكراد مجموعة من الأكراد المعروفين
بإتصالاتهم وولاءهم للمخابرات الإسرائيلية والأمريكية أمثال د. نجم الدين
كريم (رئيس المعهد الحالي)، عمر حلمت، د. عثمان بابان، د. أسعد خيلاني، د.
كندال نيزان، د. إسفنديار شكري و د. محمد خوشناو. تداعيات قضية حلبجة وما رافقها من أحداث قبل توقف الحرب العراقية الإيرانية كلنا
نعلم أن الحرب العراقية الإيرانية قد بدأت في نهاية عام 1980، ولغاية 16
آذار/مارس 1988 قتل مئات الألوف من الجنود في هذه الحرب. أما إيران التي
يزيد عدد سكانها على 60 مليون نسمة، فقد كان من المفترض بحسابات الغرب أنها
من سينتصر في هذه الحرب على العراق ذو الـ 20 مليون نسمة، ولكن يبدو أن
العراق قد كان أكثر قدرة من إيران من حيث تنظيم موارده والإنتصار بتلك
الحرب في النهاية. ويتفق المؤرخون الآن أنه بنهاية عام 1987 رجحت الكفة إلى
العراق، ونتيجة إحباطهم وقنوطهم، فقد زج الإيرانيون بأمواج بشرية من
الجنود والمتطوعين ضد العراق، كما أنه في بداية عام 1988 كان العراق قد بدأ
بإستعمال صواريخ سكود لضرب طهران . وفي هذا الوقت بالذات كانت
قصة حلبجه قد بدأت بالظهور على المستوى الإعلامي. فقد دخلت وحدة من الجيش
الإيراني أو الحرس الثوري إلى هذه المدينة التي تبعد أميال قليلة عن الحدود
مع إيران وإستطاعت بمساعة البيشمركة التابعة لجلال الطالباني من أن
يسيطروا على حلبجه، الأمر الذي أدى بالعراقيين وقتها لطلب تعزيزات قدمت
إليهم من المناطق المجاورة لإعادة إحتلال المدينة التي دخلتها القوات
الإيرانية. لقد بدأت قضية حلبجه تظهر على سطح الأحداث مباشرة
بعد دخول الإيرانيين إليها حيث إستقدموا عدداً من الصحفيين لتصوير الضحايا
الأكراد، وأن العدد 5000 للضحايا قد جاء مباشرة من الإيرانيين ولا يوجد
هناك عدد لأولئك الضحايا من مصدر مستقل. وقد إستغلت إيران تلك
الحادثة من أجل حملتها الدعائية ضد العراقيين. والغريب أن العدد الأول الذي
ذكره الإيرانيون كان 4000، وقد نقلت ذلك الخبر إحدى الصحف البريطانية
ناسبة ذلك الرقم للإيرانيين. ولكن بعد أربعة أيام زادت إيران من الرقم حيث
أوصلته إلى 5000. وهنا دخلت منظمة مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch
لتعتمد في تقاريرها اللاحقة على ذلك العدد الذي ذكره الإيرانيون من دون
أدلة على الإطلاق على حقيقة ذلك الرقم. بداية إتهام العراق دعونا
أولاً نذهب إلى الوراء للفترة التي أعقبت إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية
مباشرة عندما وافق الإيرانيون على وقف إطلاق النار في وقت إختلف فيه
الطرفان عمن سينهي الحرب. فالعراقيين كانوا مترددين بإيقاف هجومهم إذ أنهم
لا يثقون بالإيرانيين بالطبع، ولكن الضغط على العراق جعله يوافق على الدخول
في مفاوضات في وقت كان فيه الجيش العراقي مستعداً لمعاودة هجومه على
الإيرانيين. وصل أثناء ذلك وفد من الأمم المتحدة إلى المنطقة حيث حددت
المفاوضات لتجري في جنيف رغم أن حديثاً كان يجري وقتئذ بتحويل مكان
المفاوضات إلى نيويورك، إلا أن العراقيين أصروا على المضي بالمحادثات وإلا
أنهم سيعاودون هجومهم. ففي يوم 8 أيلول/سبتمبر 1988 كان على
وزير الخارجية العراقي الدكتور سعدون حمادي أن يقابل وزير الخارجية
الأمريكي جورج شولتس حيث كان حمادي يتوقع إستقبالاً حاراً في واشنطن للبدء
بمرحلة جديدة من التعاون التجاري والصناعي بين الدولتين. ولكن بدلاً من
ذلك، وفي الساعة الثانية عشر والنصف من بعد الظهر، وقبل ساعتين من الموعد
المحدد للقاء حمادي وشولتس وبدون أي تحذير لحمادي على الإطلاق، خرج المتحدث
بإسم الخارجية الأمريكية تشارلز ريدمان في مؤتمر صحفي مرتب مسبقاً قال فيه
أن الولايات المتحدة مقتنعة بأن العراق قد إستخدم الأسلحة الكيمياوية في
حملته العسكرية ضد المتمردين الأكراد. وأضاف، “نحن لا نعرف
المدى الذي إستعملت فيه تلك الأسلحة، ولكن إستعمالها في هذه الحالة مستهجن
وغير مبرر، لذا فنحن نعبر عن قلقنا الشديد إلى الحكومة العراقية التي تعرف
جيداً موقفنا من إستعمال الأسلحة الكيمياوية بإعتباره غير مبرر وغير
مقبول.” وبعد المؤتمر الصحفي، رفض وزير الخارجية الأمريكي شولتس
إستقصاء المعلومات التي تحدث عنها الناطق الرسمي لوزارته حتى من قبل حلفاء
أمريكا في الناتو، بالرغم من أن مصادر في وزارة الخارجية الأمريكية قد
قالت بأن هذا النوع من المعلومات عادة ما نشارك بها حلفاءنا وبشكل إعتيادي.
وقد أفادت مصادر في الإدارة الأمريكية أن أدلة وزير الخارجية شولتس التي
أعلنها تشارلز ريدمان قد جاءت بشكل رئيسي من إنصات بواسطة أجهزة الإتصالات
والتي قد تكون تعرضت إلى سوء في ترجمتها. هذا ولم يشر ريدمان في
مؤتمره الصحفي إلى أي دليل، كما لم يحذر العراقيين الذي كانوا يزورون
واشنطن عن هذه الإتهامات. وما أن وصل حمادي إلى وزارة الخارجية الأمريكية
بعد مرور ساعتين على ذلك المؤتمر الصحفي لمقابلة شولتس، تمت محاصرته من قبل
الصحفيين سائلين عن حقيقة تلك “المجزرة”. إلا أن حمادي لم يستطع الإجابة
على أسئلتهم بشكل متناسق، وبقي يسأل الصحفيين عن أسباب أسئلتهم تلك. ومن
الطبيعي كان لقاء حمادي مع شولتس لقاءً فاشلاً ولم يكن حسب توقعات بغداد.
وخلال 24 ساعة من المؤتمر الصحفي الذي عقده ريدمان صوّت مجلس الشيوخ
بالأغلبية على قرار بفرض العقوبات الإقتصادية على العراقيين والذي كان يعني
إلغاء بيع الغذاء والتكنولوجيا الأمريكية لهم. وقد تبع تأريخ 8
أيلول/سبتمبر 1988 سنتين من المضايقة الإقتصادية للعراق من قبل الخارجية
الأمريكية والإعلام والكونغرس الأمريكي. وفي الحقيقة، فقد كان
العراقيون في تلك الآونة يقومون بعمليات عسكرية في محاولة لإعادة السيطرة
على مدينة العمادية من الأكراد، ولكن حمادي نفى بشدة أن تكون القوات
العراقية قد إستعملت الغازات ضد الأكراد. وقد طلب حمادي من شولتس أثناء ذلك
المؤتمر الصحفي أن يعلن للعالم من هي مصادره لهذه الإتهامات ولكن شولتس
قال أنه لا يمكنه الإفصاح عن المصادر إذ أن ذلك معناه فضح مصادر المخابرات.
عندها قال حمادي، إذن أين هم الضحايا؟ وكانت تلك هي المشكلة
الكبيرة لشولتس والحكومة الأمريكية. وفعلاً أين هم الضحايا؟ فكل ما كان
هناك هو تدفق الأكراد إلى تركيا وإيران، حيث كانت قوات البيشمركة هناك
كدليل على هذا النزوح. إلا أن المراسلين الصحفيين الذين تحدثوا إلى الأكراد
النازحين قد قالوا جميعهم أن قصص هؤلاء الأكراد تتوافق تماماً مع ما صرح
به سعدون حمادي ألا وهو عدم وجود ضحايا، كما أنهم لم يتعرضوا للضرب
بالغازات السامة. وللحظات بدى أن العراقيين قد ربحوا جولة
المؤتمر الصحفي ذلك بالسؤال الذي طرحه سعدون حمادي، إلا أن ذلك لم يدم
طويلاً بسبب ما حدث بعد ذلك. إذ أن الكمين الذي نصبه شولتس لسعدون حمادي قد
خلق جدلاً كبيراً، حيث أن ما تبعه قد زاد من الطين بلّة. فبعد 24 ساعة من
الإتهام العلني للعراق من قبل شولتس وافق مجلس الشيوخ على فرض الحصار
الإقتصادي على العراق إعتماداً على تلك الإتهامات (شاهد نص القرار لاحقاً)،
وقد كان التصويت بالإجماع تقريباً. وكما نشرت صحيفة الواشنطن بوست، فإن
ذلك التصويت قد ألقى على العراق حملاً ثقيلاً لأن ذلك يعني بأن العراق
سيواجه صعوبات جمة لإعادة جدولة ديونه التي كانت تبلغ في ذلك الوقت 69
مليار دولار. وللتأكد من ذلك، فإن قرار مجلس الشيوخ لم يكن
أمراً باتاً إذ أن على الكونغرس أن يقره لكي يصبح نافذ المفعول. ولكن بنفس
الوقت أرسلت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ إثنان من موظفيها إلى
المنطقة لإعداد تقرير عما يمكن قد حدث في المنطقة الكردية آنذاك، وهؤلاء
الموظفين هما بيتر غالبريث وتشارلس دنبار. وبعد أسبوعين عاد هذين الموظفين
مدّعين بأن العراقيين قد ضربوا الأكراد بالغازات السامة وأنهم لم يضربوا
المتمردين الأكراد فحسب ولكن أيضاً مواطنين أكراد آخرين حيث قتل في تلك
العمليات ما قد يصل إلى 100,000 مواطن كردي. وبالطبع فقد كان
العراقيون مستائين جداً من تلك الإتهامات، وعندما واجه الصحفيون وزير
الدفاع العراقي بتلك المسألة فإنه رفضها بشكل قاطع ومؤكداً مرة أخرى بأنه
لم تكن للجيش العراقي حاجة بإستعمال مثل تلك الغازات خصوصاً في مناطق
مفتوحة حيث أن إستعمال الغازات يكون مسألة غير واقعية وعديمة الفائدة في
مثل تلك الظروف الجغراقية. وفي الحقيقة فإن ما قاله صحيح، إذ أن الغاز هو
سلاح خادع عند إستعماله وبإستثناء بعض الحالات الخاصة فإنه غير قاتل. إنه
من المهم جداً القول أنه بالرغم من خاصية السلاح الكيمياوي هذا معروفة جداً
للقوات العسكرية، إلا أنها لم تكن معروفة لوسائل الإعلام. وحيث
إزدات حدة الصراع حول هذه المسألة، أصبح العراقيون حانقين كما هم
الأمريكان، ومن أجل ذلك طالبوا جامعة الدول العربية تحديد موقفها، وقد فعلت
ذلك ناعتة إتهام العراق بأنه إتهام مختلق. وكما هم العراقيون، فإن جامعة
الدول العربية شددت على أن الأمريكان لا يمتلكون الدليل على إتهاماتهم
للعراق. وقد إدعى موظفي لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ
الأمريكي أن لديهم أدلة “دامغة” بأن الهجوم على الأكراد قد حدث بالفعل.
ولكن تبين فيما بعد أن تلك الأدلة لم تكن سوى أدلة “ساخرة ومضحكة” حيث أن
كل ما جاءوا به هو إدعائهم بأن الأكراد قد أخبروهم !!! أن مثل هذا الهجوم
قد وقع بالفعل. كما إدعى هذان الموظفان أيضاً بأنهما قد شاهدا فعلاً ضحايا
تلك الغازات بشكل واضح وأنهما قد صورا الأكراد المصابين، ولكن أحداً لم
يشاهد على الإطلاق ولحد الآن هذه الصور المزعومة، كما لم تثبت هوية هؤلاء
الضحايا المزعومين إطلاقاً. أما فيما يتعلق بالعدد 100,000 للضحايا فقد ثبت
فيما بعد أن ذلك العدد كان مجرد تخمين فقط. ولكن بنفس الوقت فإن تلك
التهمة الخطيرة كانت في وقتها تعني حدوث “إبادة جماعية”. إن هذا
الشأن بكامله كان في الحقيقة موضوعاً مربكاً للإدارة الأمريكية بالقدر
الذي لم يظهر فيه لحد الآن أي دليل على وجود ضحايا جراء ذلك الهجوم بالسلاح
الكيمياوي المزعوم، كما أن الولايات المتحدة لم تظهر لحد الآن السبب الذي
حداها بتوجيه مثل ذلك الإتهام للعراق وأن مثل ذلك الهجوم قد حدث فعلاً.
فإما أن ذلك كان تقديراً سريعاً ليس له أي صواب من قبل الخارجية الأمريكية
ومجلس الشيوخ أو أنه كان ملفقاً بشكل متعمد. وإن كان الإفتراض
الأول هو الصحيح، فذلك يعني أنه كان يجب على موظفي لجنة العلاقات الخارجية
في مجلس الشيوخ أن يصوبا أقوالهما، ولكن ذلك لم يحدث لحد الآن. والحقيقة أن
محاولة الكونغرس، لكي يساعد على تجنب الأزمة، لتحويل قرار الحصار
الإقتصادي على العراق الذي وافق عليه مجلس الشيوخ إلى قانون قد فشل بسبب
مشاكل تقنية بيروقراطية. وفي نفس الوقت فإن بعض القطاعات الأمريكية التي
كانت تتطلع لتطوير علاقات تجارية مع العراق كانت قد بدأت بتحريك قواها ضد
الحصار المفترض منتقدة إياه بشكل واسع. وبعد عشر سنوات على
إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية، إستمرت وزارة الخارجية الأمريكية في
التخطيط لسياسة تجاه العراق كما لو أنه مكون من مجتمع إجرامي، علماً أنه
لحد الآن لم تتمكن الخارجية الأمريكية من إبراز أي أدلة على العراق من أنه
كان وراء حدوث مثل تلك الهجمات بالأسلحة الكيمياوية المزعومة، إذ لو إعترفت
الإدارة الأمريكية بعدم وجود مثل تلك الأدلة فهذا يعني أنه يجب على
الولايات المتحدة رفع الحصار عن العراق وهذا ما لم تكن تريده الإدارة
الأمريكية على الدوام. عندما إنتهت الحرب العراقية الإيرانية في
آب/أغسطس 1988، إنتصر العراقيون الذين يقارب عدد نفوسهم 20 مليون نسمة في
الحرب على إيران التي عدد نفوسها 60 مليون نسمة. وبالنظر قليلاً إلى الوراء
سنجد السبب الذي من أجله قررت إدارة بوش شن حربها على العراق. فقد يكون ما
حدث في ذلك التأريخ من عام 1988 معقولاً لدى الإدارة الأمريكية هو أن
تنتصر إيران في الحرب مع العراق الذي كان بموضع الدفاع بالرغم من أن
الولايات المتحدة كانت تساعد العراق عسكرياً بعض الشئ. ولكن من
ناحية أخرى كانت إسرائيل تساعد إيران بالسلاح أيضاً إضافة لقصفها المفاعل
النووي العراقي في بداية الحرب مع إيران. ومع توقعها أن العراق كان سيخسر
الحرب، كانت الدوائر السياسية الأمريكية وإسرائيل تبدي فرحتها بمقتل كلا
الجانبين، لأن من كانوا يقتلون في هذه الحرب هم مسلمون فقط. وفي
آذار/مارس من عام 1988 قرر العراق أن يكون بموضع المهاجم، فإقترض بلايين
الدولارات من أصدقاءه العرب آنذاك وكذلك من بنوك أوربية لغرض شراء معدات
حربية من الغرب حيث كانت النهاية أن إنتصر العراق في حربه مع إيران في
أوائل أيلول/سبتمبر 1988. وتبعاً لما كانت قد خططت له الولايات المتحدة
لإنهاء الحكم في العراق، باشرت خطتها تلك مباشرة بعد إنتهاء الحرب العراقية
الإيرانية حيث طلبت من الكويت في 8/8/1988، أي بعد يوم واحد فقط من إنتهاء
الحرب، بزيادة تصديرها من النفط مخالفة بذلك كل قرارات الأوبك بحيث أصبح
سعر البرميل الواحد من النفط 11 دولاراً بعد أن كان سعره 21 دولاراً..
حيث كلف ذلك العراق خسارة قيمتها 14 مليار دولار في السنة في وقت
كانت فيه كلاً من العراق وإيران بحاجة إلى أسعار ثابتة للنفط لإعادة بناء
ما دمرته الحرب. هذا وأن البحرين أيضاً قد بدأت بزيادة مستويات إنتاج
وتصدير نفطها في تلك الفترة. وبهذا بدأت مرحلة إنهاء النظام العراقي تسير
وفقاً للخطة الأمريكية المعدة سلفاً والتي نفذتها الكويت والبحرين بشكل
خاص. إن الريبة واضحة هنا من أن الولايات المتحدة لم تأخذ ما
حصل في شمال العراق محمل الجد إلا بعد إن إحتل العراق الكويت بعد سنتين من
إنتهاء الحرب العراقية الإيرانية لأنه لم يكن للولايات المتحدة دعم كاف حول
مسألة إخراج العراقيين من الكويت، لذا كان من الضروري للولايات المتحدة أن
“تشيطن” العراق من خلال حملة دعائية ضخمة. لذلك فإن مسألة ضرب الأكراد
بالأسلحة الكيمياوية كانت ملائمة جداً للإدارة الأمريكية لشن حملة دعايتها
تلك. الحرب العراقية الإيرانية والإستراتيجية الأمريكية .. عملت
الولايات المتحدة بإستمرار على إضعاف العراق بشكل دائمي أو تدميره
بإعتباره قوة لها حساب في المنطقة والذي من الممكن أن يتحدى الولايات
المتحدة في سيطرتها على تلك المنطقة الغنية بالنفط. ومنذ إكتشاف النفط في
الشرق الأوسط أو ربما قبل ذلك كانت ستراتيجية الولايات المتحدة والقوى
الإستعمارية الأوربية الأخرى هو منع ظهور أي حكم وطني في المنطقة. وقد
إعتمدت الولايات المتحدة في ذلك على الأنظمة الفاسدة الملكية والمشايخية في
الشرق الأوسط، ذلك لأن تلك الأنظمة كانت دائماً دمى لتنفيذ مصالح الولايات
المتحدة في المنطقة لقاء حماية الولايات المتحدة لها. لقد كان سقوط نظام
الشاه في عام 1979 مفاجأة كبيرة لشركات النفط الأمريكية ووكالات مخابراتها
والبنتاغون التي إستخدمت الشاه كشرطي حراسة لمصالحها في المنطقة. وقد
كانت الحرب العراقية الإيرانية فرصة جديدة لإستعادة ما خسرته أمريكا نتيجة
الثورة الإيرانية. وكانت سياسة ريغان/بوش (الأب) هي إضعاف وإحتواء إيران
من أجل تحديد تأثيرها في المنطقة، وقد أضعفت الحرب إيران بالفعل حيث أضاعت
إيران مصادر بشرية ومالية كبيرة في حربها تلك مع العراق. وفي
رأي الإدارة الأمريكية هو أنه بعد إضعاف إيران سيكون الهدف إضعاف العراق
والتأكد من أنه لن يستطيع تطوير نفسه كقوة قادرة على تحدي الولايات المتحدة
وسيطرتها على المنطقة. فبعد إنتهاء الحرب بين العراق وإيران تغيرت سياسة
الولايات المتحدة تجاه العراق حالاً وأصبحت عدائية بإستمرار حيث تحمل كل
صفات المؤامرة المخطط لها مسبقاً. إن الطريقة التي تغيرت بها سياسة أمريكا
تجاه العراق كانت واضحة جداً مباشرة بعد إعلان وقف إطلاق النار بين العراق و
إيران رسمياً في 20 آب/أغسطس 1988. بالإضافة لإدارة ريغان، فإن
إدارة بوش (الأب) لم تقدم أي دليل لحد الآن وعلى الإطلاق حول أدلتها عن
التهم التي وجهت للعراق عن إستعماله الأسلحة الكيمياوية ضد مواطنيه، بل هي
إستمرت فقط بتكرار التهم على الدوام عبر الصحافة وعبر خطب السياسيين
الأمريكان. ويعتقد تقرير كلية الحرب الأمريكية الذي نشر حول هذه القضية أن
تلك الإتهامات كاذبة وأنها إستعملت من قبل الإدارة الأمريكية لتغيير الموقف
الشعبي العام من العراق، بل زاد التقرير من لهجته حين قال أن تلك التهم ما
هي إلا مؤامرة على العراق. وإن كان الجزء الأول من ستراتيجية الولايات
المتحدة تجاه العراق هو إظهار العداء له ومعاقبته إقتصادياً، فإن الحرب
كانت هي الجزء الثاني، وتفاصيل ذلك خارج نطاق موضوع هذا البحث. إيران – كونترا والتعاون التسليحي بين إيران وإسرائيل .. يتذكر
الجميع قصة إيران كونترا التي كانت فيها الأسلحة الإسرائيلية تصدر إلى
إيران عندما وافق الرئيس الأسبق ريغان على بيع إيران أسلحة من مخزونها في
إسرائيل حيث تذهب مردودات المبيعات إلى ثوار نيكاراغوا. وقد إستعملت هذه
المجموعة الأموال الناجمة عن بيع هذا السلاح ولسنوات عديدة لدعم المتمردين
في نيكاراغوا الذين كانت تدعمهم الولايات المتحدة في معاركهم ضد حكومة
مناغوا اليسارية خلافاً للحظر المفروض من الكونغرس الأمريكي والسياسة
المعلنة للولايات المتحدة كما أفصحت عنها وزارة الخارجية الأمريكية والرئيس
الأمريكي آنذاك رونالد ريغان. تعود فضيحة إيران كونترا إلى
خريف عام 1980 حين كان الرئيس الأمريكي كارتر يسبق ريغان في الإستطلاع الذي
حدث قبل الإنتخابات الأمريكية، حيث كان من الممكن أن يفوز كارتر بالرئاسة
لو تم إطلاق سراح الرهائن الأمريكان في إيران، عندها تواطأ ريغان مع
الإيرانيين من خلال مفاوضاته معهم لإطلاق سراح الرهائن. وفي ذلك الوقت،
إلتقى وليام كيسي رئيس حملة ريغان الإنتخابية وجورج بوش (الأب) مع رئيس
الوزراء الإيراني بني صدر في باريس في شهر تشرين الأول/أكتوبر وقبل أسابيع
قليلة من موعد الإنتخابات، وكان جزء من الإتفاق مع الإيرانيين هو تزويدهم
بأسلحة كانوا يحتاجونها بشدة في ذلك الوقت من حربهم مع العراق. وأثناء
وجودهم في باريس سلم الأمريكان 40 مليون دولار للإيرانيين كدليل للثقة بين
الحكومتين وبأن إدارة ريغان مهتمة جداً بالتعاون مع الإيرانيين في هذا
الخصوص. كما تم الإتفاق حينها أن االرهائن يبقون محتجزين في إيران إلى ما
بعد ظهور نتائج الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، وذلك ما حدث بالضبط حيث
أطلق سراحهم في الساعة الثانية عشر ظهراً من يوم 21 كانون الثاني/يناير
1981 وقت تنصيب ريغان رئيساً للولايات المتحدة. هذا وكان أول
لقاء بخصوص تزويد إيران بالإسلحة لقاء إطلاق سراح الرهائن قد عقد في
برشلونه، إسبانيا في تموز/يوليو 1980وليس في مدريد كما أعلن عنه مسبقاً،
حيث إلتقت مجموعة الجمهوريين في فندق الأميرة صوفيا وفي مركز إدارة بيبس
كولا الدولية. وكانت المجموعة برئاسة وليام كيسي، الذي أصبح بعد ذلك بعدة
أشهر رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وكذلك روبرت ماكفارلين،
الذي أصبح بعد ذلك رئيساً لمجلس الأمن القومي في عهد ريغان، وبعد لقاء
برشلونه بثلاثة أشهر تم لقاء مهم آخر في باريس. وقد أكد هذا
اللقاء ريتشارد برينيك، أحد ضباط المخابرات الأمريكية حيث قال أن جورج بوش
كان قد حضر ذلك اللقاء في باريس يوم الأحد 19 تشرين الأول/أكتوبر 1980 حين
إلتقى مع رئيس الوزراء الإيراني وعدد من المسؤولين الإيرانيين لوضع
التفاصيل النهائية لصفقة السلاح مقابل الرهائن. وقد أكد ذلك اللقاء الذي
حضره بوش عميل الموساد الإسرائيلي آري بن ميناشيا الذي كان حاضراً ذلك
اللقاء والذي كان متورطاً أيضاً بنقل السلاح إلى إيران. وحول
التفاهم المشترك بين أمريكا وإيران، صرح ريغان في 13 تشرين الثاني/نوفمبر
1986 قائلاً، “منذ أن تم الإتفاق مع إيران، لم يتوفر لدينا أي دليل بأن
الحكومة الإيرانية قد شاركت بعمل عدواني أو إرهابي ضد الولايات المتحدة.”
وبهذا تكون العبارات الجوفاء مثل “الشيطان الأكبر” وما إلى غير
ذلك من عبارات كان يطلقها ملالي طهران ضد الولايات المتحدة ليست إلا من
قبيل ذر الرماد في العيون وتغطية لتعاونها وإتفاقها مع الولايات المتحدة
وإسرائيل، كما سيرد ذكره لاحقاً أيضاً. وقد إستمر التعاون
التسليحي بين إيران والولايات المتحدة عبر إسرائيل، عندما قررت وكالة
المخابرات المركزية الأمريكة ومجلس الأمن القومي التحرك مرة أخرى تجاه
إيران للتفاض معها لإطلاق سراح وليام بكلي، مسؤول المخابرات الأمريكية في
الشرق الأوسط الذي إختطفه حزب الله اللبناني في عام 1984، حيث صرحت شخصيات
أمريكية قريبة من ريغان بأنه سيقوم بعمل أي شئ من أجل إطلاق سراحه. وقد
كان مجلس الأمن القومي الأمريكي مكوناً من كل من نائب الرئيس ريغان جورج
بوش، وجورج شولتس وزير الخارجية ، وكاسبر واينبيرغر وزير الدفاع، و وليام
كيسي رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والكولونيل أوليفر نورث،
وروبرت ماكفارلين مستشار مجلس الأمن القومي. وقد أعطي الأمر لمجلس الأمن
القومي الأمريكي في 7 حزيران/يونيو 1985 للتفاوض مع إيران من أجل الضغط على
حزب الله لإطلاق سراح الرهائن الأمريكان والبريطانيين الذين كانوا رهائن
عند الحزب. وكانت المفاوضات التي تتعلق ببيع أسلحة أمريكية إلى
إيران، عبر وسيط إيراني هو ألبرت حكيم، قد تمت من قبل أوليفر نورث حيث
إستعملت الأرباح الناتجة عن هذه الصفقة لإرسال أسلحة إلى ثوار الكونترا في
نيكاراغوا. وبعد إعطاء الأمر لمجلس الأمن القومي الأمريكي بالتفاوض مع
إيران، تم إجراء ست صفقات بيع أسلحة لإيران وعلى النحو التالي: 1.
في آب/أغسطس 1985، تم شحن 96 صاروخ من نوع “تاو”، حيث تم نقل الشحنة من
إسرائيل على متن طائرة من نوع DC-8 إلى إيران، إضافة إلى تحويل مبلغ قدره
1,216,410 دولار إلى بنك سويسري مسجل بإسم تاجر السلاح الإيراني
غوربانيفار، ولكن لم يطلق سراح أي رهينة بعد هذه الصفقة. 2. وفي أيلول/سبتمبر 1985 تم شحن 408 صاروخ من نوع “تاو” أيضاً إلى إيران، أطلق على أثرها الرهينة بنجامين وير بيوم واحد. 3.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 1985، تم شحن 18 صاروخ من نوع “هوك” من إسرائيل
وعبر البرتغال، كما حوّل نورث مليون دولار إلى حساب مصرفي بإسم شركة Lake
Resources الذي يتم تشغيله من قبل المخابرات الأمريكية لغسيل الأموال من
ولاية فلوريدا. وحسب هذه الصفقة، كان من المفروض شحن 80 صاروخ من نوع
“هوك”، إلا أن 62 منها لم ترسل. 4. وفي شباط/قبراير 1986، تم
شحن 1000 صاروخ من نوع “تاو” وبقيمة 10,000 دولار لكل صاروخ، حيث تم إيداع
مبلغ قدره 10 ملايين دولار ثمن هذه الصفقة في حساب شركةLake Resources، في
وقت كان قيه سعر تلك الصواريخ الفعلي هو 3.7 مليون دولار، وأن فرق السعر
(الربح) 6.3 مليون دولار قد إستعمل لشراء أسلحة لثوار الكونترا. 5.
وفي مايس/مايو 1986 دفعت إيران 16.5 مليون دولار كثمن لإدوات إحتياطية
لصواريخ “هوك”، أعطي منها 6.5 مليون دولار إلى الحكومة الأمريكية وتم إيداع
الربح بحساب شركة Lake Resources. بعدها بشهرين أطلق سراح الأب لورنس
جينكو، أرسلت بعدها بقية الأدوات الإحتياطية لصواريخ “هوك” إلى إيران.
6. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1986، تم شحن 500 صاروخ من نوع “تاو” إلى
إيران، أطلق على أثرها سراح الرهينة ديفيد جاكوبسن. تم دفع 3.6 مليون
دولار من قيمة الصفقة إلى الحكومة الأمريكية وتم إيداع الربح بحساب شركة
Lake Resources. هذا مع العلم أن جميع هذه الأسلحة قد تم شحنها
من إسرائيل ومن خلال طرق متعددة، وأنها تمت بعد إجتماع عقده بوش (الأب) مع
مستشار إسرائيل لشؤون الإرهاب أميرام نير في فندق الملك داود بالقدس.
وحسب تقرير لجنة الكونغرس التي تشكلت للتحقيق بفضيحة إيران كونترا في
شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1987، فإن بيع السلاح لإيران كان قد بدأ في صيف
عام 1985 من خلال إسرائيل بعد إستلمت موافقة الرئيس ريغان. وأن إسرائيل قد
وافقت على هذه الصفقة بعد إن إستلمت أيضاً تأكيداً من تاجر السلاح الإيراني
مانوشير غوربانيفار وأخصائي مجلس الأمن القومي الأمريكي مايكل لدين، الذي
يعمل تحت إمرة مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي روبرت ماكفارلن. وعندما
سأل لدين رئيس وزراء إسرائيل آنذاك شمعون بيريز للمساعدة في بيع السلاح
لإسرائيل، وافق الأخير على ذلك شرط أن تحصل موافقة أعلى الجهات الرسمية
الأمريكية على ذلك. وعندما طرح موضوع أول صفقة سلاح لإرسالها
إلى إيران، طلب وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين موافقة أمريكية
خاصة بذلك قبل إرسال الشحنة، حيث تمت تلك الموافقة من الرئيس ريغان. وقد تم
دفع جزء من قيمة تلك الصفقة من قبل المليونير السعودي عدنان خاشقجي، الذي
دفع مبلغاً قدره مليون دولار للصفقة الأولى وأربعة ملايين دولار للصفقة
الثانية. هذا وقد نشر الكونغرس الأمريكي تقريراً في عام 1987 عما عرف بعملية “إيران كونترا” جاء فيه: “مارست
الولايات المتحدة نوعين متناقضين من السياسات الخارجية – معلنة و سرية.
كانت الغاية من السياسة المعلنة هو تحسين العلاقات مع العراق، وبنفس الوقت
كانت الولايات المتحدة تشارك بشكل سري معلومات إستخباراتية عسكرية عن
العراق مع إيران. وقد أخبر الكولونيل أوليفر نورث الإيرانيين أن الولايات
المتحدة ستساعد في التشجيع على التخلص من الرئيس صدام حسين وتلك مسألة
تعارض سياسة الولايات المتحدة المعلنة. وقد وضح الكولونيل نورث في محادثة
له مع ريتشارد سيكورد وألبرت حكيم وأحد المسؤولين الإيرانيين في مدينة
فرانكفورت الألمانية عام 1985، حيث يعتبر هؤلاء الثلاثة من أهم اللاعبين في
عملية “إيران كونترا”، حين قال لهم: “إن أحد الأشياء التي نرغب
بعملها هو أننا نرغب في أن نتدخل بشكل فعال في إنهاء الحرب العراقية
الإيرانية بطريقة يكون واضحاً فيها للجميع أن الرئيس صدام حسين هو من يسبب
المشاكل. وإن كان لي أن أتكلم مع أي قائد مسلم فإنه سوف لن يقول أن الرئيس
صدام حسين هو المشكلة، بل سيقول أن إيران هي المشكلة. إن ما نتحدث عنه هي
عملية يعتقد فيها جميع العرب أن العراق لا يمثل تهديداً لهم بل أن إيران هي
من يمثل هذا التهديد وأن إيران هي من تسعى لإجتياح الكويت. إن المشكلة الحقيقية في منع تحقيق السلام في المنطقة هو الرئيس صدام حسين، وأنه علينا جميعاً أن نهتم بهذه المسألة.” إن
الإعتقاد السائد الآن في الأوساط السياسية التي عارضت الموقف الأمريكي أن
قضية حلبجه تؤكد أن للإسرائيلين يد طولى بما صرح به جورج شولتس، خصوصاً وأن
إسرائيل كانت قد ساندت إيران في حربها مع العراق بإعتبارها واحدة من أكبر
مجهزي السلاح لإيران أثناء الحرب مع العراق وقد كان إنتصار العراق في الحرب
مفاجأة كبيرة لإسرائيل لذلك قررت القيام بشئ ما حيال ذلك، شئ يمكن أن يطلق
عليه عبارة “دعاية إستباقية”. وفي تقرير لها ذكرت وكالة إستخبارات الدفاع
الأمريكية أن إسرائيل كان تزود إيران بكل ما تحتاجه لتصنيع أسلحة كيمياوية
من النوع الذي قتل به الأكراد في حلبجه (غاز من مكونات السيانيد)، وما
فضيحة “إيران كونترا” إلا الضربة الموجعة لإيران “الإسلامية” التي تتعاون
مع الشيطان الأكبر (إسرائيل) من أجل أن تنتصر في حربها مع العراق. كما
أن سبب تزويد إسرائيل لإيران بالأسلحة، وحسب موقع مؤسسة التعاون الأمريكية
الإسرائيلية، كان حسب نظرية “عدو عدوي صديقي” لأن العراق كان يمثل الخطر
الأكبر على إسرائيل. والسبب الثاني هو وجود عدد من اليهود في إيران حيث
كانت إسرائيل تأمل في شراء سلامتهم أو إخراجهم من إيران سواء بعمليات سرية
أو غير سرية. لقد كانت أكثر الإهتمامات أثناء الحرب العراقية الإيرانية
منصبة على أن واحداً من البلدين سينتصر في الحرب بالتأكيد وبذلك سيظهر كقوة
يحسب لها حساب في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى أن ذلك الطرف، وحسب هذا
الموقع الصهيوني، سيهدد أمن الدول الضعيفة في المنطقة وبالتالي الأمن
الإقتصادي للغرب الذي يعتمد على نفط الخليج. لذلك فقد كان من مصلحة
الولايات المتحدة وإسرائيل أن تطول هذه الحرب بحيث تنتهي وكلا الطرفان أضعف
بكثير مما كانا عليه قبل بدأ الحرب بينهما. وليس هذا فقط، بل
إستمرت إسرائيل بتعاونها التسليحي مع إيران في مجال الأسلحة الكيمياوية
خصوصاً بين الأعوام 1992 و1994 حيث باعت إسرائيل لإيران معدات ومواد
وأساليب وتكنولوجيا خاصة بإنتاج غاز الخردل وغاز السارين والتي وردتها
لإيران شركة موشى ريجيف، حسبما ذكرته صحيفة هآرتز الإسرائيلية في عددها
الصادر بتأريخ 20 كانون الثاني/يناير 1999. هذا وكان سعي إيران
لإمتلاك الأسلحة أثناء حرب الخليج على أشده، وذلك في ظل وجود العديد من
الدول وتجار الأسلحة السريين، والساعين لعقد صفقات بيع الأسلحة وجني
العمولات المغرية التي تعرضها إيران. ونظراً لحصول إسرائيل الدائم على نفس
أنواع تلك الأسلحة الأمريكية، والتي كان يعتمد عليها الشاه في بناء ترسانة
الأسلحة الإيرانية، فضلاً عن رغبة إسرائيل في بناء صناعة أسلحة وطنية، فقد
تزعمت إسرائيل الدول الساعية لتسليح إيران. قدرت صحيفة Observer البريطانية
حجم مبيعات الأسلحة الإسرائيلية لإيران بإجمالي قدره 500 مليون دولار
أمريكي سنوياً. وفي زمن حكم الشاه محمد رضا بهلوي كانت إيران
أكبر مشتري في العالم للأسلحة الإٍسرائيلية. وبعد الإطاحة بشاه إيران
وتأسيس حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت تلك الحكومة معادية
للصهيونية، ظاهراً على الأقل، فقامت بشنق مواطن إيراني يهودي بارز بتهمة
“التجسس لصالح إسٍرائيل”. إلا أنه عندما نشبت الحرب بين العراق وإيران في
عام 1980 إلتقى مندوبين إيرانيين في باريس مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي
وعقدوا إتفاقية “اليهود في مقابل الأسلحة”. وسمحت إيران لمواطنيها اليهود
بموجب هذه الاتفاقية بالهجرة إلى إسرائيل، وفي المقابل باعت إسرائيل لإيران
الذخيرة وقطع غيار الدبابة Chieftain وطائرات فانتوم F-4 الأمريكية.
تمت هذه الاتفاقية من خلال تاجر أسلحة إسرائيلي إلى أن إنتهى العمل
بها على نحو ملائم عام 1984، عندما كانت إيران بطيئة في تسديد الفواتير.
بالرغم من أن السرية هي المبدأ الأساسي في عالم تجارة الأسلحة، إلا أن
تفاصيل العديد من صفقات الأسلحة الإسرائيلية لإيران قد طفت على السطح. ففي
عام 1981، قام ياكوف نيمرودي، أحد الأًصدقاء المقربين لقادة السياسة
الإسرائيلية، ببيع ما قيمته 135 مليون و842 ألف دولار أمريكي من صواريخ هوك
المضادة للطائرات، ومدافع الهاون عيار 155 مم، والذخيرة وغيرها من الأسلحة
من خلال شركة International Desalination Equipment لمعدات تحلية المياه
في تل أبيب. علماً بأن نيمرودي عمل خلال الفترة من 1955 إلى 1979 كملحق عسكري لإسرائيل في طهران. أعلن
راديو لوكسمبورج في 24 تموز/يوليو من عام 1984، أن نيمرودي قد إلتقى في
زيورخ بنائب وزير الدفاع ورئيس المخابرات الإيرانية. وقد أعلنت مصادر
الحكومة السويسرية أن الاجتماع قد أسفر عن صفقة لشحن حمولة 40 شاحنة من
الأسلحة في اليوم من إسرائيل إلى إيران عبر إسرائيل وتركيا. وفي
15 أيلول/سبتمبر من عام 1985، قامت طائرة شحن من طراز DC-8 بالهبوط
الاضطراري في تل أبيب أثناء عودتها من إيران بعد أن كان من المفترض أن تتجه
إلى ملاجا في أسبانيا. وقد تبين بعد ذلك أن الطائرة قد إشترتها
شركة “نيجيرية” وهمية في بروكسل من مؤسسة غامضة في ميامي. وكشفت التحقيقات
أن الطائرة كانت تحمل صواريخ هوك من الولايات المتحدة الأمريكية إلى إيران
عبر إسرائيل، كما تبين أن طائرة بوينج 707 مملوكة لهذه الشركة تقوم بنقل
شحنات من 1250صاروخ TOW من إسرائيل إلى إيران عبر ملاجا. وفي
نفس الوقت تقريباً، أوردت صحيفة Observer البريطانية تقريراً حول سفينة
تحمل 2,500 طن من البضائع الإسرائيلية كانت تقوم بالتوصيل السريع، وتتجه
مباشرة نحو ميناء بندر عباس بدلاً من الذهاب أولاً إلى زائير حيث ينتظرها
المشترون الإيرانيون ليقوموا بفحص الشحنة. وفي مايس/مايو عام
1986، أحبطت السلطات في ألمانيا الغربية صفقة للذخيرة بقيمة مليون دولار
أمريكي، وكشفت عن صفقة للدبابات قيد التنفيذ. وأدين في هذه القضية شخص
إسرائيلي وآخر كان يحمل الجنسية الإسرائيلية. وأعلنت مجلة Stern الأسبوعية
في ألمانيا الغربية عن تلكس من شركة للصناعات العسكرية الإسرائيلية مملوكة
للحكومة بتأريخ الأول من نيسان/أبريل ويشير إلى تورط الحكومة الإسرائيلية
رسمياً. وفي حزيران/يونيو من عام 1986 ورد تقرير بشأن رجل أعمال
سويدي قام بدور الوسيط لبيع متفجرات إسرائيلية لإيران، وقد خرجت الشحنات
من إسرائيل إلى إيران عبر الأرجنتين. وفي أيلول/سبتمبر من عام 1986، أوردت
United Press International تقريراً بأن إتحاد البحارة الدانمركي لديه
سجلات تثبت قيام شركة شحن دانمركية بنقل أربع شحنات تصل إلى 900 طن من
ميناء إيلات الإسرائيلي إلى ميناء بندر عباس في إيران. وقد كان الإتحاد على
ثقة من أن الأسلحة أمريكية الصنع. ويعد إعادة بيع الأسلحة
الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية بدون تصريح، محظوراً بموجب القانون
الأمريكي، وكذلك الحال بالنسبة لبيع الأسلحة الأمريكية لإيران. وفي حوادث
متفرقة خاصة بمفاوضات للبيع داخل الولايات المتحدة الأمريكية، قامت السلطات
الفيدرالية بإلقاء القبض على إثنين من جنود الإحتياط الإسرائيليين وأمريكي
من أصل يوغوسلافي هو بول كاتر. كان بول على صلة بوزير التجارة والصناعة
الإسرائيلي آنذاك أريل شارون، وكان قد أبلغ زملائه أنه مفوض من جانب
إسرائيل لبيع الأسلحة التي إستولت عليها إسرائيل في لبنان عام 1982، وتم
فيما بعد إدانته والحكم عليه بالسجن. ومع ذلك، فقد تم في عام
1986 إحباط أكبر صفقة للأسلحة لإيران من خلال عملية فيدرالية بإسم Sting،
فقد أوقع عملاء مصلحة الجمارك الأمريكية بجنرال متقاعد من الجيش الإسرائيلي
هو إفرايم بارعام ومعه 12 من الأعوان (منهم ثلاثة إسرائيليين) في كمين
محكم في نيسان/أبريل 1986، حيث تم تسجيل شرائط بواسطة مصلحة الجمارك تكشف
عن تورط الحكومة الإسرائيلية في خطة لبيع ما قيمته 2.6 مليار دولار أمريكي
من الأسلحة الأمريكية لإيران بوساطة دولة ثالثة. تمكنت صحيفة
Chicago Tribune من الإطلاع على هذه التسجيلات والتي تكشف عن أن صامويل
إيفانز المحامي الأمريكي المقيم في لندن قد قام بتنسيق عمليتين مختلفتين
لعرض طائرات وصواريخ متقدمة ومعدات مدفعية على إيران. ويُسمع في التسجيلات
صوت هذا المحامي وهو يقول أنه سوف يناقش هذه الصفقة مع وزير الدفاع
الإسرائيلي إسحاق رابين، وأن سلطة الفصل في هذه الصفقة “تعود إلى بيريز
(رئيس الوزراء)”. وتعد هذه القضية خطيرة لأمريكا على وجه الخصوص
لأن السلطات الفيدرالية قدمت الدليل في قرار الإتهام على أن تلك الصفقة قد
تضمنت شهادات إعادة تصدير مزيفة تصدق على تصدير إسرائيل للفائض من أسلحتها
لتركيا، وهو ما يعد مسموح به قانوناً، وليس لإيران لأنه محظوراً. زعم
الجنرال بارعام من داخل زنزانته في السجن، أنه قد حصل على تصريح من
الحكومة الإسرائيلية لبيع الأسلحة. بينما أنكر المسؤولون في إسرائيل أي
تورط وأصروا على أن التصريح كان لترويج المبيعات، وهو واحد من ألف تصريح تم
توزيعها على موظفين عسكريين سابقين. وقد سعى الإسرائيليون بقوة لترسيخ هذا
الزعم. وفي أواخر أيلول/سبتمبر 1986 دعا وزير الدفاع الإسرائيلي رابين
لمؤتمر صحفي وصرح فيه بأن عملية إصدار التصاريح سوف تتغير بهدف تجنب ظهور
مثل تلك التصاريح الحكومية. ولكن كان هناك تصريح سابق لياكوف
نيمرودي بأن هذه المبيعات تتمتع بتفويض حكومي وأن هذه التصاريح تصدر عن قسم
خاص في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ومن الصعب حدوث هذه التضاربات التي
ذكرها رابين، كما أن هناك العديد من التقارير على مدى السنوات الماضية تفيد
بأن بيع الأسلحة يتم بوساطة عملاء أو من خلال أطراف أخرى. تجنبت
حكومة الولايات المتحدة الأمريكية مناقشة هذه القضية مع الحكومة
الإسرائيلية على الملأ. وعندما تم إلقاء القبض على المتهمين في عملية
برمودا، وردت تقارير بأنه تم إستدعاء السفير الإسرائيلي لتوجيه تحذير شديد
له. ومع ذلك فلم يركز النائب العام على دور الحكومة الإسرائيلية عندما تمت
محاكمة المتهمين في عملية برمودا في نيويورك في تشرين لثاني/نوفمبر 1986.
وخلال أزمة الرهائن في 1979-1981، نبهت الولايات المتحدة
الأمريكية إسرائيل على وجه الخصوص بإيقاف توصيل صفقات الأسلحة بينما كانت
إيران تحتجز رهائن أمريكان، ومن الممكن أن تكون إسرائيل قد امتثلت. وفي شهر
تشرين الأول/أكتوبر 1986 أكد وزير الخارجية جورج شولتز للدبلوماسيين من
دول الخليج العربية أن إسرائيل قد أبلغت المسؤولين الأمريكيين أنها قد
أوقفت بيع الأسلحة لإيران في عام 1983، وبالطبع لم يكن ذلك حقيقياً.
والواقع أن شولتز قد إتهم الإتحاد السوفييتي بعدم التشديد على حلفائه
بتجميد مبيعات الأسلحة لإيران. وأثناء فترة رئاسة ريغان
للولايات المتحدة الأمريكية، تأرجحت السياسة الأمريكية بين عدة مستويات من
الدعم للعراق. وكانت السياسة الإسرائيلية بشأن حرب الخليج تميل دائماً
للتصريح بأنها سوف تساعد على إستمرارها لأطول فترة ممكنة لأن المذابح
البشعة كانت تلتهم المقاتلين من الطرفين وتمنعهما من الهجوم على إسرائيل.
وفي عام 1983، كشف وزير الدفاع آنذاك أريل شارون دون أن يقصد
أثناء محادثات أمريكية، أن إسرائيل تبيع الأسلحة لإيران لأنها تعتبر العراق
العدو الأكبر لها، وأنه تمت مناقشة الصفقات بإستفاضة مع المسؤولين
الأمريكيين. وأقر المسؤولون الأمريكيون بهذه المناقشات ولكنهم أنكروا أن
إسرائيل قد حصلت على موافقة الولايات المتحدة الأمريكية. وفي
ربيع عام 1985 أدت حملة المعلومات المضللة التي روجت لها إسرائيل، إلى طرح
فكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية قد طلبت من إسرائيل بيع الأسلحة
لإيران. وقد تواردت أقاويل أن التسجيلات في قضية بارعام تفترض أن الولايات
المتحدة الأمريكية كانت تفكر بشأن تحويل مساندتها لإيران بينما كان يتم
وكان آخر دفاع للحكومة الإسرائيلية، هو نفسه الدفاع القديم المستهل